للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحاصله أنهم إذا أجابوا إلى الإسلام الذي ـ هو التوحيد ـ فأخبرهم بما

يجب عليهم بعد ذلك من حق الله تعالى في الإسلام من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك من شرائع الإسلام الظاهرة وحقوقه؛ فإن أجابوا إلى ذلك فقد أجابوا إلى الإسلام حقًا، وإن امتنعوا عن شيء من ذلك فالقتال باق بحاله إجماعًا. فدل على أن النطق بكلمتي الشهادة دليل العصمة لا أنه عصمة، أو يقال: هو العصمة لكن بشرط العمل، يدل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} ١ الآية، ولو كان النطق بالشهادتين عاصمًا لم يكن للتثبت معنى، يدل على ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا} ، أي: عن الشرك وفعلوا التوحيد {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} ٢ فدل على أن القتال يكون على هذه الأمور.

وفيه أن لله تعالى حقوقًا في الإسلام من لم يأت بها لم يكن مسلمًا، كإخلاص العبادة له والكفر بما يعبد من دونه. وفيه بعث الإمام الدعاة إلى الله، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون يفعلون. وفيه تعليم الإمام أمراءه وعماله ما يحتاجون إليه.

قوله: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم"٣ أن: هي المصدرية، واللام قبلها مفتوحة، لأنها لام القسم، ومدخولها مسبوك بمصدر مرفوع على أنه مبتدأ خبره " خير ".

وحمر بضم المهملة وسكون الميم. والنعم بفتح النون والعين المهملة. أي: خير لك من الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب، يضربون بها المثل في نفاسة الشيء. قيل: المراد خير من أن تكون لك فتتصدق بها. وقيل تقتنيها وتملكها. قلت: هذا هو الأظهر، والأول لا دليل عليه. أي أنكم تحبون متاع الدنيا، وهذا خير منه.

قال النووي: وتشبيه أمور الآخرة بأمور الدنيا إنما هو للتقريب إلى الأفهام، وإلا فذرة من الآخرة خير من الأرض بأسرها، وأمثالها معها.


١ سورة النساء آية: ٩٤.
٢ سورة التوبة آية: ٥.
٣ البخاري: الجهاد والسير (٣٠٠٩) , ومسلم: فضائل الصحابة (٢٤٠٦) , وأبو داود: العلم (٣٦٦١) , وأحمد (٥/٣٣٣) .

<<  <   >  >>