للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيه أن الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، المراد بها الدعوة إلى الإخلاص بها وترك الشرك وإلا فاليهود يقولونها، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إليها بينهم وبين من لا يقولها من مشركي العرب، فعلم أن المراد من هذه الكلمة هو اللفظ بها، واعتقاد معناها، والعمل به، وذلك هو معنى قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} ١.

وقوله: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} ، [الرّعد، من الآية: ٣٦] . وذلك هو معنى قوله: "ثم ادعهم إلى الإسلام " الذي هو الاستسلام لله تعالى، والانقياد له بفعل التوحيد وترك الشرك. وفيه مشروعية الدعوة قبل القتال، لكن إن كانوا قد بلغتهم الدعوة جاز قتالهم ابتداء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون، وتستحب دعوتهم لهذا الحديث وما في معناه، وإن كانوا لم تبلغهم وجبت دعوتهم.

وقوله: "وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه". أي.: في الإسلام، أي: إذا أجابوا إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقوقه التي لا بد من فعلها، كالصلاة، والزكاة، وهذا كقوله في حديث أبي هريرة: " فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها" ٢ وقد فسره أبو بكر الصديق لعمر رضي الله عنهما لما قاتل أهل الردة الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. فقال له عمر: "كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها؟! قال أبو بكر: فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم على منعها"٣.


١ سورة آل عمران آية: ٦٤.
٢ مسلم: فضائل الصحابة (٢٤٠٥) .
٣ البخاري: الصلاة (٣٩٣) , والترمذي: الإيمان (٢٦٠٨) , والنسائي: تحريم الدم (٣٩٦٦ ,٣٩٦٧) والإيمان وشرائعه (٥٠٠٣) , وأبو داود: الجهاد (٢٦٤١) , وأحمد (٣/١٩٩ ,٣/٢٢٤) .

<<  <   >  >>