للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكونون وسائط فيما يقدره الله بأفعالهم، ومع هذا فقد نهى الله عن دعائهم، وبين أنهم لا يملكون كشف الضر عن الداعين ولا تحويله، لا يرفعونه بالكلية، ولا يحولونه من موضع إلى موضع، كتغيير صفته أو قدره، ولهذا قال: {وَلا تَحْوِيلاً} ، فذكر نكرة تعم أنواع التحويل فكل من دعا ميتًا أو غائبا من الأنبياء والصالحين، أو دعا الملائكة أو دعا الجن، فقد دعا من لا يغيثه، ولا يملك كشف الضر عنه، ولا تحويله انتهى.

وبنحو ما تقدم من كلام هؤلاء قال جميع المفسرين: فتبين أن معنى التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله: هو ترك ما عليه المشركون من دعوة الصالحين، والاستشفاع بهم إلى الله في كشف الضر وتحويله، فكيف ممن أخلص لهم الدعوة، وأنه لا يكفي في التوحيد دعواه، والنطق بكلمة الشهادة من غير مفارقة لدين المشركين، وأن دعاء الصالحين لكشف الضر أو تحويله هو الشرك الأكبر نبه عليه المصنف.

قال: وقوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي ... } ١ الآية.

قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء، ووالد من بعث بعده من الأنبياء، الذي تنتسب إليه قريش في نسبها ومذهبها: إنه تبرأ من أبيه وقومه في عبادتهم الأوثان فقال: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} ٢ أي: هذه الكلمة؛ وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان، وهي لا إله إلا الله أي: جعلها في ذريته يقتدي به فيها من هداه الله من ذرية إبراهيم عليه السلام. لعلهم يرجعون، أي: إليها.

قال عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم في قوله: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} ٣ يعني لا إله إلا الله، لا يزال في ذريته من يقولها. وقال ابن زيد: كلمة الإسلام، وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة.


١ سورة الزّخرف آية: ٢٦-٢٧.
٢ سورة الزّخرف آية: ٢٦-٢٨.
٣ سورة الزخرف آية: ٢٨.

<<  <   >  >>