للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: وروى ابن جرير عن قتادة في قوله: {إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} ١. قال: خلقني: وعنه {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} ٢. قال: إنهم يقولون: إن الله ربنا {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ٣، فلم يبرأ من ربه. رواه عبد بن حميد. قلت: يعني أن قوم إبراهيم يعبدون الله ويعبدون غيره، فتبرأ مما يعبدون إلا الله،

لا كما يظن الجهال أن الكفار لا يعرفون الله، ولا يعبدونه أصلاً. وروى ابن جرير وابن المنذر عن قتادة {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} ٤ قال: الإخلاص والتوحيد، لا يزال في ذريته من يوحد الله ويعبده.

فتبين بهذا أن معنى لا إله إلا الله هو البراءة مما يُعْبَدُ من دون الله، وإفراد الله بالعبادة، وذلك هو التوحيد لا مجرد الإقرار بوجود الله وملكه وقدرته وخلقه لكل شيء، فإن هذا يقرُّ به الكفار وذلك هو معنى قوله: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} ٥ فاستثنى من المعبودين ربه وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه الموالاة هي شهادة أن لا إله إلا الله. قاله المصنف.

قال: وقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ... } ٦.

ش: الأحبار: هم العلماء. والرهبان: هم العباد. وهذه الآية قد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم، وذلك أنه "لما جاء مسلمًا دخل على رسول صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم، فقال: إنهم حرموا عليهم الحلال وحللوا لهم الحرام فاتبعوهم فذاك عبادتهم إياه" رواه أحمد والترمذي وحسنه وعبد بن حميد وابن سعد وابن أبي حاتم والطبراني وغيرهم من طرق. وهكذا قال جميع المفسرين.

قال السدي: استنصحوا الرجال، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، ولهذا قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} ٧، أي: الذي إذا حرم شيئًا فهو الحرام وما حلله حل، وما شرعه اتبع.


١ سورة الزخرف آية: ٢٧.
٢ سورة آية: ٢٦-٢٧.
٣ سورة الزخرف آية: ٨٧.
٤ سورة الزخرف آية: ٢٨.
٥ سورة الزّخرف آية: ٢٦-٢٨.
٦ سورة التوبة آية: ٣١.
٧ سورة التوبة آية: ٣١.

<<  <   >  >>