للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى رجع إلى الحق.

وكان فهم الصديق هو الموافق لنصوص القرآن والسنة. وفي " الصحيحين " أيضا عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوه عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" ١. فهذا الحديث كآية براءة بيّن فيه ما يقاتل عليه الناس ابتداء، فإذا فعلوه، وجب الكف عنهم إلا بحقه، فإن فعلوا بعد ذلك ما يناقض هذا الإقرار والدخول في الإسلام، وجب القتال حتى يكون الدين كله لله، بل لو أقروا بالأركان الخمسة وفعلوها، وأبوا عن فعل الوضوء للصلاة ونحوه، ـ أو عن تحريم بعض محرمات الإسلام كالربا أو الزنا أو نحو ذلك ـ وجب قتالهم إجماعًا، ولم تعصمهم لا إله إلا الله ولا ما فعلوه من الأركان.

وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله، وأنه ليس المراد منها مجرد النطق، فإذا كانت لا تعصم من استباح محرمًا، أو أبى عن فعل الوضوء مثلاً بل يقاتل على ذلك حتى يفعله، فكيف تعصم من دان بالشرك وفعله وأحبه ومدحه، وأثنى على أهله، ووالى عليه، وعادى عليه، وأبغض التوحيد الذي هو إخلاص العبادة لله، وتبرأ منه، وحارب أهله، وكفرهم، وصد عن سبيل الله كما هو شأن عباد القبور، وقد أجمع العلماء على أن من قال: لا إله إلا الله، وهو مشرك أنه يقاتل حتى يأتي بالتوحيد.

ذكر التنبيه على كلام العلماء في ذلك فإن الحاجة داعية إليه لدفع شبه عباد القبور في تعلقهم بهذه الأحاديث وما في معناها مع أنها حجة عليهم بحمد الله لا لهم.

قال أبو سليمان الخطابي في قوله: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" ٢. معلوم أن المراد بهذا أهل الأوثان دون


١ البخاري: الإيمان (٢٥) , ومسلم: الإيمان (٢٢) .
٢ البخاري: استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (٦٩٢٤) , ومسلم: الإيمان (٢٠) , والترمذي: الإيمان (٢٦٠٧) , والنسائي: الزكاة (٢٤٤٣) والجهاد (٣٠٩١ ,٣٠٩٢) , وأبو داود: الزكاة (١٥٥٦) , وأحمد (١/١٩ ,١/٤٧) .

<<  <   >  >>