للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الإتيان بالتوحيد، والتزام أحكامه، وترك الشرك كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} ١ والفتنة هنا: الشرك، فدل على أنه إذا وجد الشرك، فالقتال باق بحاله كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} ٢ وقال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ٣ فأمر بقتالهم على فعل التوحيد، وترك الشرك، وإقامة شعائر الدين الظاهرة، فإذا فعلوها خلي سبيلهم، ومتى أبوا عن فعلها أو فعل شيء منها، فالقتال باق بحاله إجماعًا. ولو قالوا: لا إله إلا الله.

وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم علق العصمة بما علقها الله به في كتابه كما في هذا الحديث. وفي " صحيح مسلم ". عن أبي هريرة مرفوعًا: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" ٤. وفي "الصحيحين " عنه قال: "لما توفي رسول الله وكفر من كفر من العرب، فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه. فقال عمر بن الخطاب: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق"٥ لفظ مسلم. فانظر كيف فهم صديق الأمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد مجرد اللفظ بها من غير إلزام لمعناها وأحكامها، فكان ذلك هو الصواب، واتفق عليه الصحابة، ولم يختلف فيه منهم اثنان إلا ما كان من عمر


١ سورة الأنفال آية: ٣٩.
٢ سورة التوبة آية: ٣٦.
٣ سورة التوبة آية: ٥.
٤ البخاري: الجهاد والسير (٢٩٤٦) , ومسلم: الإيمان (٢١) , والترمذي: الإيمان (٢٦٠٦) , والنسائي: الجهاد (٣٠٩٠ ,٣٠٩٥) وتحريم الدم (٣٩٧٢ ,٣٩٧٤ ,٣٩٧٦ ,٣٩٧٧) , وأبو داود: الجهاد (٢٦٤٠) , وابن ماجه: الفتن (٣٩٢٧ ,٣٩٢٨) , وأحمد (٢/٣٧٧ ,٢/٤٢٣ ,٢/٥٠٢ ,٢/٥٢٨ ,٣/٣٣٢ ,٣/٣٣٩ ,٣/٣٩٤) .
٥ البخاري: استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (٦٩٢٤) , ومسلم: الإيمان (٢٠) , والترمذي: الإيمان (٢٦٠٧) , والنسائي: الزكاة (٢٤٤٣) والجهاد (٣٠٩١ ,٣٠٩٢) , وأبو داود: الزكاة (١٥٥٦) , وأحمد (١/١٩ ,١/٤٧) .

<<  <   >  >>