للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جماعة من أهل العلم، ولا تخالف بين القولين، فإن من قال: إنها صخرة لم ينف أن تكون صخرة على القبر أو حواليه فعظمت وعبدت تبعًا لا قصدًا، فالعبادة إنما أرادوا بها صاحب القبر، فهو الذي عبدوه بالأصالة; يدل على ذلك ما روى الفاكهي عن ابن عباس أن اللات لما مات قال لهم عمرو بن لُحَيْيّ: إنه لم يمت، ولكنه دخل الصخرة فعبدوها، وبنوا عليها بيتًا، فتأمل فعل المشركين مع هذا الوثن، ووازن بينه وبين بناء القباب على القبور والعكوف عندها ودعائها، وجعلها ملاذًا عند الشدائد.

وأما العزى فقال ابن جرير: كانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة بين مكة والطائف كانت قريش يعظمونها، كما قال أبو سفيان يوم أحد: "لنا العزى ولا عزى لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا: "الله مولانا ولا مولى لكم" ١. وروى النسائي وابن مردويه عن أبي الطفيل قال: "لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، بعث خالد بن الوليد إلى نخلة وكانت بها العزى، فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمرات٢ فقطع السمرات، وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: ارجع فإنك لم تصنع شيئًا، فرجع خالد، فلما أبصرته السدنة وهم حجبتها أمعنوا في الجبل وهم يقولون: يا عزى يا عزى فأتاها خالد، فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها، تحفن التراب على رأسها فعمّمها بالسيف حتى قتلها، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: تلك العزى" قال هشام [بن الكلبي] : وكانوا يسمعون منها الصوت. وقال أبو صالح [با ذام مولى أم هانئ] : "العزى نخلة كانوا يعلقون عليها السيور والعهن". رواه عبد بن حميد وابن جرير.

فتأمل فعل المشركين مع هذا الوثن، ووازن بينه وبين ما يفعله عباد القبور من دعائها، والذبح عندها، وتعليق الخيوط وإلقاء الخرق في ضرائح الأموات ونحو ذلك، فالله المستعان.


١ البخاري: الجهاد والسير (٣٠٣٩) , وأحمد (٤/٢٩٣) .
٢ السَّمُرُ: ضربٌ من شجر العِضاهِ. عِظامٌ، والعِضاه: كلّ شجر له شوك.

<<  <   >  >>