للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك نذر الشموع الكثيرة العظيمة وغيرها لقبر الخليل عليه السلام، ولقبر غيره من الأنبياء والأولياء، فإن الناذر لا يقصد بذلك إلا الإيقاد على القبر تبركًا وتعظيمًا، ظانًا أن ذلك قربة، فهذا مما لا ريب في بطلانه. والإيقاد المذكور محرم سواء انتفع به هناك منتفع أم لا إلى آخر كلامه.

وقال الشيخ قاسم [بن قُطُلُبُغَى] الحنفي في "شرح درر البحار": النذر الذي ينذره أكثر العوام على ما هو مشاهد، كأن يكون للإنسان غائب أو مريض أو له حاجة ضرورية، فيأتي إلى بعض الصلحاء، ويجعل على رأسه سترة ويقول: يا سيدي فلان إن رد الله غائبي أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي، فلك من الذهب كذا أو من الفضة كذا، أو من الطعام كذا، أو من الماء ومن الشمع والزيت كذا، فهذا النذر باطل بالإجماع لوجوه. منها: أنه نذر لمخلوق، والنذر للمخلوق لا يجوز لأنه عبادة، والعبادة لا تكون لمخلوق.

ومنها أن المنذور له ميت والميت لا يملك.

ومنها أنه ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله، واعتقاد ذلك كفر، إلى أن قال: إذا علمت هذا فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت وغيرها وينقل إلى ضرائح الأولياء تقربًا إليهم فحرام بإجماع المسلمين. نقله عنه ابن نجيم في "البحر الرائق" في آخر كتاب الصوم. ومنه نقله المرشدي أيضًا في "تذكرته" ونقله غيرهما عنه وزاد: وقد ابتلي الناس بهذا لا سيما في مولد أحمد البدوي.

وقال الشيخ صنع الله الحلبي الحنفي في الرد على من أجاز الذبح والنذر للأولياء، وأثبت الأجر في ذلك: فهذا الذبح والنذر إن كان على اسم فلان وفلان فهو لغير الله، فيكون باطلاً.

وفي التنزيل: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ١. وقوله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ٢. أي: صلاتي وذبحي لله، كما فسر به قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ٣. وفي


١ سورة الأنعام آية: ١٢١.
٢ سورة الأنعام آية: ١٦٢.
٣ سورة الكوثر آية: ٢.

<<  <   >  >>