للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إزالتها ومحو أثرها، فإن أكثر الجهال يعتقدون أنها تنفع وتضر، وتجلب وتدفع، وتشفي المرض وترد الغائب، إذا نذر لها، وهذا شرك ومحادة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

قلت: فصرح رحمه الله أن الاعتقاد في هذه الأمور أنها تضر وتنفع وتجلب، وتدفع، وتشفي المريض وترد الغائب إذا نذر لها، أن ذلك شرك، وإذا ثبت أنه شرك، فلا فرق في ذلك بين اعتقاده في الملائكة والنبيين، ولا بين اعتقاده في الأصنام والأوثان، إذ لا يجوز الإشراك بين الله تعالى وبين مخلوق فيما يختص بالخالق سبحانه، كما قال تعالى: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ١ وهذا بعينه هو الذي يعتقده من دعا الأنبياء والصالحين، ولهذا يسألونهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وشفاء ذوي الأمراض والعاهات، فثبت أن ذلك شرك.

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في "شرح المنازل" ومن أنواعه أي: الشرك، طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، فضلاً لمن استغاث به أو سأله أن يشفع إلى الله، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده، فإن الله سبحانه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، والله سبحانه لم يجعل سؤال غيره سببًا لإذنه، وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد، فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن، والميت محتاج إلى من يدعو له، كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم، وندعو لهم، ونسأل لهم العافية والمغفرة، فعكس المشركون هذا وزاروهم زيارة العبادة، وجعلوا قبورهم أوثانًا تعبد، فجمعوا بين الشرك بالمعبود وتغيير دينه، ومعاداة أهل التوحيد، ونسبتهم إلى التنقص بالأموات، وهم قد تنقصوا الخالق سبحانه بالشرك وأولياءه الموحدين بذمهم ومعاداتهم، وتنقصوا من أشركوا به


١ سورة آل عمران آية: ٨٠.

<<  <   >  >>