لا يشفع عنده أحد إلا لمن أذن الله تعالى أن يشفع له فيه، ورضي قوله وعملة. وهم أهل التوحيد الذين لم يتخذوا من دون الله شفعاء، فإنه سبحانه وتعالى يأذن في الشفاعة فيهم لمن يشاء، حيث لم يتخذوهم شفعاء من دونه، فيكون أسعد الناس بشفاعته من يأذن الله تعالى له، صاحب التوحيد الذي لم يتخذ شفيعا من دون الله. والشفاعة التي أثبتها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم هي الشفاعة الصادرة عن إذنه لمن وحده، والتي نفاها الله تعالى هي الشفاعة الشركية التي في قلوب المشركين المتخذين من دون الله شفعاء، فيعاملون بنقيض مقصودهم من شفاعتهم، ويفوز بها الموحدون. انتهى.
ولكن تأمل الآية كيف أمرهم تعالى بدعاء الملائكة أمر تعجيز، والمراد بيان أنهم لا يملكون شيئا، فلا يدعون لا لشفاعة ولا غيرها، ثم أخبر أنهم هم الذين اتخذوهم بزعمهم شفعاء فنسبه إلى زعمهم وإفكهم الذي ابتدعوه من غير برهان ولا حجة من الله وهذه الآية نزلت في دعوة الملائكة، ودخول غيرهم فيها من باب أولى، كما روى ابن أبي حاتم عن السدي في قوله:{وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} . يقول: من عون الملائكة. وكما يدل عليه قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} . كما تقدم.
فإذا كان اتخاذ الملائكة شفعاء من دون الله شركًا، فكيف باتخاذ الأموات كما يفعله عباد القبور؟ أم كيف باتخاذ الفجار والفساق إخوان الشياطين من المجاذيب الذين جذبهم إبليس إلى جانبه وطاعته شفعاء؟ وأعظم من ذلك اعتقاد الربوبية في هؤلاء الملاعين مع ما يشاهده الناس منهم من الفجور، وأنواع الفسوق، وترك الصلوات، وفعل المنكرات، والمشي في الأسواق عراة.
كما قال بعض المتأخرين:
كقوم عراة في ذرى مصر ما يرى ... على عورة منهم هناك ثياب.
يدورون فيها كاشفين لعورة ... تواتر هذا لا يقال كذاب.
يعدونهم في مصرهم فضلاءهم ... دعاؤهم فيما يرون مجاب
ومن العجب أنهم لم يأتوا بشيء يدل على كون هؤلاء الشياطين