للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرشي العدوي، أمير المؤمنين وأفضل الصحابة بعد الصديق رضي الله عنهما، ولي الخلافة عشر سنين ونصفًا، فامتلأت الدنيا عدلاً، وفتحت في أيامه ممالك كسرى وقيصر، واستشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين.

قوله: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم" ١. الإطراء: مجاوزة الحد في المدح، والكذب فيه، قاله أبو السعادات. وقال غيره:

لا تطروني بضم التاء وسكون الطاء المهملة من الإطراء، أي: لا تمدحوني بالباطل، أو لا تجاوزوا الحد في مدحي.

قوله: (إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) ، أي: لا تمدحوني فتغلوا في مدحي كما غلت النصارى في عيسى، فادعوا فيه الربوبية، وإنما أنا عبد لله فصفوني بذلك كما وصفني به ربي، وقولوا عبد الله ورسوله. فأبى عباد القبور إلا مخالفة لأمره، وارتكابًا لنهيه، وناقضوه أعظم المناقضة، وظنوا أنهم إذا وصفوه بأنه عبد الله ورسوله، وأنه لا يدعى ولا يستغاث به، ولا ينذر له، ولا يطاف بحجرته، وأنه ليس له من الأمر شيء، ولا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله، أن في ذلك هضمًا لجنابه، وغضًا من قدره، فرفعوه فوق منْزلته، وادعوا فيه ما ادعت النصارى في عيسى أو قريبًا منه، فسألوه مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب.

وقد ذكر شيخ الإسلام في كتاب "الاستغاثة" عن بعض أهل زمانه أنه جوز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يستغاث فيه بالله، وصنف فيه مصنفًا. وكان يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله. وحكى عن آخر من جنسه يباشر التدريس، وينسب إلى الفتيا أنه كان يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ما يعلمه الله، ويقدر على ما يقدر الله عليه، وأن هذا السر انتقل بعده إلى الحسن، ثم انتقل في ذرية الحسن إلى أبي الحسن الشاذلي، وقالوا: هذا مقام القطب الغوث الفرد الجامع، ومن هؤلاء من يقول


١ البخاري: أحاديث الأنبياء (٣٤٤٥) , وأحمد (١/٢٣) .

<<  <   >  >>