في قول الله تعالى:{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} إن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يسبَّح بكرة وأصيلاً ومنهم من يقول: نحن نعبد الله ورسوله، فيجعلون الرسول معبودًا.
قلت: وقال البوصيري:
١٥٤ فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم الروح والقلم.
فجعل الدنيا والآخرة من جوده، وجزم بأنه يعلم ما في اللوح المحفوظ، وهذا هو الذي حكاه شيخ الإسلام عن ذلك المدرس، وكل ذلك كفر صريح. ومن العجب أن الشيطان أظهر لهم ذلك في صورة محبته عليه السلام وتعظيمه ومتابعته، وهذا شأن اللعين لا بد وأن يمزج الحق بالباطل ليروج على أشباه الأنعام اتباع كل ناعق، الذين لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، لأن هذا ليس بتعظيم، فإن التعظيم محله القلب واللسان والجوارح وهم أبعد الناس منه، فإن التعظيم بالقلب: ما يتبع اعتقاد كونه عبدًا رسولاً، من تقديم محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين.
ويصدق هذه المحبة أمران:
أحدهما: تجريد التوحيد، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أحرص الخلق على تجريده، حتى قطع أسباب الشرك ووسائله من جميع الجهات، حتى قال له رجل: ما شاء الله وشئت. قال:"أجعلتني لله ندًّا؟ بل ما شاء الله وحده" ١. ونهى أن يحلف بغير الله، وأخبر أن ذلك شرك. ونهى أن يصلى إلى القبر أو يتخذ مسجدًا أو عيدًا، أو يوقد عليه سراج، بل مدار دينه على هذا الأصل الذي هو قطب رحا النجاة، ولم يقرر أحد ما قرره النبي بقوله وفعله، وسد الذرائع المنافية له، فتعظيمه صلى الله عليه وسلم بموافقته على ذلك لا بمناقضته فيه.
الثاني: تجريد متابعته، وتحكيمه وحده في الدقيق والجليل من