أصول الدين وفروعه، والرضى بحكمه، والانقياد له والتسليم، والإعراض عما خالفه، وعدم الالتفات إلى ما خالفه، حتى يكون وحده هو الحاكم المتبع المقبول قوله، المردود ما خالفه، كما كان ربه تعالى وحده هو المعبود المألوه المخوف المرجو المستغاث به، المتوكل عليه، الذي إليه الرغبة والرهبة، الذي يؤمل وحده لكشف الشدائد ومغفرة الذنوب، الذي من جوده الدنيا والآخرة، الذي خلق الخلق وحده، ورزقهم وحده، ويبعثهم وحده، ويغفر ويرحم ويهدي ويضل، ويسعد ويشقي وحده، وليس لغيره من الأمر شيء كائنًا من كان، لا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولا لجبريل عليه السلام ولا غيرهما. فهذا هو التعظيم الحق المطابق لحال المعظم، النافع للمعظم في معاشه ومعاده، والذي هو لازم إيمانه وملزومه.
وأما التعظيم باللسان، فهو الثناء عليه بما هو أهله مما أثنى به عليه ربه وأثنى على نفسه من غير غلو ولا تقصير، كما فعل عباد القبور، فإنهم غلوا في مدحه إلى الغاية.
وأما التعظيم بالجوارح، فهو العمل بطاعته، والسعي في إظهار دينه، ونصر ما جاء به، وجهاد ما خالفه.
وبالجملة فالتعظيم النافع هو التصديق فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانتهاء عما عنه نهى وزجر، والموالاة والمعاداة والحب والبغض لأجله، وتحكيمه وحده، والرضى بحكمه، وأن لا يتخذ من دونه طاغوت يكون التحاكم إلى أقواله فما وافقها من قوله صلى الله عليه وسلم قبله، وما خالفها رده أو تأوله أو أعرض عنه، والله سبحانه يشهد وكفى به شهيدًا وملائكته ورسله وأولياؤه، أن عباد القبور وخصوم الموحدين ليسوا كذلك، والله المستعان.
[النهي عن التنطع في الدين]
وقال المصنف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو" ١.