قوله:(لأبرز قبره) ، أي: لدفن خارج بيته ومنه الحديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بارزًا للناس. أي: جالسًا خارج بيته" ١.
قوله:(غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا) . روي بفتح الخاء وضمها بالبناء للفاعل والمفعول، قالوا: فأما رواية الفتح، فإنها تقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرهم بذلك، وأما رواية الضم، فيحتمل أن تكون عائشة هي التي خشيت كما في لفظ آخر، غير أني أخشى. أو هي ومن معها من الصحابة. قلت: وهذا أظهر. ورواية: غير أني أخشى، لا تخالفه.
قال القرطبي: ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم فأعلوا حيطان تربته، وسدوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره صلى الله عليه وسلم ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة إذا كان مستقبل المصلين، فتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره.
قلت: وفي الحديثين مسائل نبه المصنف على بعضها. منها: ما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فيمن بنى مسجدًا يعبد الله فيه على قبر رجل صالح، ولو صحت نية الفاعل. ومنها: النهي عن التماثيل بتغليظ الأمر. ومنها: نهيه عن فعله عند قبره قبل أن يوجد القبر. ومنها: أنه من سنن اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم. ومنها: لعنه إياهم على ذلك. ومنها: مراده بذلك تحذيره إيانا عن قبره، ومنها: العلة في عدم إبراز قبره، ومنها: ما بلي به صلى الله عليه وسلم من شدة النّزع.
قلت: ومنها التنبيه على علة تحريم ذلك، وعلة لعن من فعله.
[النهي عن اتخاذ القبور مساجد]
قال: ولمسلم: عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: "إني أبرأ إلى الله أن