للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك" ١. فقد نهى عنه وهو في آخر حياته، ثم إنه لعن -وهو في السياق- مَنْ فعله، والصلاة عندها من ذلك، وإن لم يبن مسجدًا، وهو معنى قوله: أخشى أن يتخذ مسجدًا، فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدًا. وكل موضع قُصِدَتِ الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدًا، بل كل موضع يُصَلَّى فيه يُسَمَّى مسجدًا كما قال صلى الله عليه وسلم "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" ٢.

ش: قوله: عن جندب بن عبد الله. أي: ابن سفيان البجلي أبو عبد الله، وينسب إلى جده، صحابي مشهور مات بعد الستين.

قوله: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، أي: أمتنع من هذا وأنكره. والخليل: هو المحبوب غاية المحبة، مشتق من الخلة بفتح الخاء وهي تخلل المودة في القلب، كما قال الشاعر:

قد تخللت مسلك الروح ... مني وبذا سمي الخليل خللاً

هذا هو الصحيح في معناه، كما ذكره شيخ الإسلام وابن القيم وابن كثير وغيرهم.

قال القرطبي: وإنما كان ذلك لأن قلبه صلى الله عليه وسلم قد امتلأ من محبة الله، وتعظيمه ومعرفته، فلا يسع لمخالة غيره.

قوله: "فإن الله قد اتخذني خليلاً". فيه التصريح بأن الخلة أكمل من المحبة قال ابن القيم: وأما ما يظنه بعض الغالطين من أن المحبة أكمل من الخلة، وأن إبراهيم خليل الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم حبيب الله، فمن جهلهم، فإن المحبة عامة والخلة خاصة، وهي نهاية المحبة، قال: وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قد اتخذه خليلاً، ونفى أن يكون له خليل غير ربه، مع إخباره بحبه لعائشة ولأبيها ولعمر بن


١ مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٣٢) .
٢ البخاري: التيمم (٣٣٥) , ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٢١) , والنسائي: الغسل والتيمم (٤٣٢) والمساجد (٧٣٦) , وأحمد (٣/٣٠٤) , والدارمي: الصلاة (١٣٨٩) .

<<  <   >  >>