ويأخذ من زبيب الطائف والأقط، فيجعل منه حيسًا ويطعم من يمر من الناس، فلما مات عبدوه وقالوا: هو اللات. وكان يقرأ اللات مشددة، رواه سعيد بن منصور والفاكهي.
قوله:(وكذا قال أبو الجوزاء ... ) إلى آخره. هو أوس بن عبد الله الربعي، بفتح الراء والباء، ثقة مشهور، مات سنة ثلاث وثمانين.
وهذا الأثر ذكره المصنف ولم يعزه، وقد رواه البخاري، ولا تخالف بين هذا التفسير والقراءة وبين قراءة من قرأ بالتخفيف. وقال: إنه كان حجرًا فعبدوه، واشتقوا له من اسم الله الإله، كما تقدم تقريره في باب: من تبرك بشجرة. وأيضا فيجاب على الأول بأن أصله التشديد، وخفف لكثرة الاستعمال، وأما كونهم اشتقوا هذا الاسم من اسم الله الإله، فلا ينافي ذلك أيضًا، فقد رأيت أن سبب عبادة اللات هو الغلو في قبره حتى صار وثنًا يعبد، كما كان ذلك هو السبب في عبادة الصالحين: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر وغيرهم، وكما كان ذلك هو السبب في عبادة الصالحين من الأموات وغيرهم اليوم، فإنهم غلوا فيهم، وبنوا على قبورهم القباب والمشاهد، وجعلوها ملاذًا لقضاء المآرب.
وبالجملة فالغلو أصل الشرك في الأولين والآخرين إلى يوم القيامة. وقد أمرنا الله تعالى بمحبة أوليائه وإنزالهم منازلهم من العبودية، وسلب خصائص الإلهية عنهم، وهذا غاية تعظيمهم وطاعتهم، ونهانا عن الغلو فيهم، فلا نرفعهم فوق منْزلتهم، ولا نحطهم منها لما يعلمه تعالى في ذلك من الفساد العظيم، فما وقع الشرك إلا بسبب الغلو فيهم، فإن الشرك بهم غلو فيهم، وأنزلوهم منازل الإلهية، وعصوا أمرهم، وتنقصوهم في صورة التعظيم لهم، فتجد أكثر هؤلاء الغالين فيهم، العاكفين على قبورهم،