للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معرضين عن طريقة من فيها وهديه وسنته، عائبين لها مشتغلين بقبورهم عما أمروا به ودعوا إليه.

وتعظيم الأنبياء والصالحين ومحبتهم إنما هي باتباع ما دعوا إليه من العلم النافع والعمل الصالح، واقتفاء آثارهم، وسلوك طريقتهم دون عبادتهم وعبادة قبورهم، والعكوف عليها كالذين يعكفون على الأصنام واتخاذها أعيادًا ومجامع للزيارات والفواحش وترك الصلوات، فإن من اقتفى آثارهم كان متسببًا في تكثير أجورهم باتباعه لهم، ودعوته الناس إلى اتباعهم; فإذا أعرض عما دعوا إليه واشتغل بضده حرم نفسه وحرمهم ذلك الأجر.

فأي تعظيم لهم واحترام في هذا؟!

قال: وعن ابن عباس قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج" ١. رواه أهل السنن.

ش: قوله: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور" ٢. أي: من النساء وهذا يدل على تحريم زيارة القبور عليهن كما هو مذهب أحمد وطائفة. وقيل في تعليل ذلك: إنه يخرجها إلى الجزع والندب والنياحة والافتتان بها وبصورتها وتأذي الميت ببكائها، كما في حديث آخر: "فإنكن تفتن الحي وتؤذين الميت". وإذا كان زيارة النساء مظنة وسببًا للأمور المحرمة في حقهن وحق الرجال، وتقدير ذلك غير مضبوط، لأنه لا يمكن حد المقدار الذي لا يفضي إلى ذلك ولا التمييز بين نوع ونوع.

ومن أصول الشريعة أن الحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بمظنتها، فتحرم سدًّا للذريعة، كما حرم النظر إلى الزينة الباطنة لما في ذلك من الفتنة، وكما حرمت الخلوة بالأجنبية، وليس في زيارتها من المصلحة ما يعارض هذه المفسدة، لأنه ليس في زيارتها إلا دعواها للميت أو اعتبارها به، وذلك ممكن في بيتها.

وقد روى الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم عن حسان بن ثابت مرفوعًا: "لعن رسول الله زوارات القبور" ٣. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لعن زوارات القبور" ٤. رواه أحمد


١ الترمذي: الصلاة (٣٢٠) , والنسائي: الجنائز (٢٠٤٣) , وأبو داود: الجنائز (٣٢٣٦) , وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (١٥٧٥) , وأحمد (١/٢٢٩ ,١/٢٨٧ ,١/٣٢٤ ,١/٣٣٧) .
٢ الترمذي: الصلاة (٣٢٠) , والنسائي: الجنائز (٢٠٤٣) , وأبو داود: الجنائز (٣٢٣٦) , وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (١٥٧٥) , وأحمد (١/٢٢٩ ,١/٢٨٧ ,١/٣٢٤ ,١/٣٣٧) .
٣ الترمذي: الجنائز (١٠٥٦) , وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (١٥٧٦) .
٤ مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٢٧٠٢) , وأحمد (٤/٢١١) .

<<  <   >  >>