للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخاصة. ولقد بالغ صلى الله عليه وسلم وحذر وأنذر، وأبدأ وأعاد، وخص وعم في حماية الحنيفية السمحة التي بعثه الله بها، فهي حنيفية في التوحيد، سمحة في العمل، كما قال بعض العلماء: هي أشد الشرائع في التوحيد والإبعاد عن الشرك، وأسمح الشرائع في العمل.

قال: وقوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ... } ١.

ش: قوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} ٢. هذا خطاب من الله تعالى للعرب في قول الجمهور، وهذا على جهة تعديده نعمه عليهم، إذ جاءهم بلسانهم، وبما يفهمونه من الأغراض والفصاحة، وشرفوا به أبد الآبدين.

وقوله: رسول، أي: رسول عظيم أرسله الله إليكم من أنفسكم، أي: ترجعون معه إلى نفس واحدة، لأنه وأنتم من أب قريب، كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ٣. وذلك أقرب وأسرع إلى فهم الحجة، وأبعد من المحْكِ واللجاجة، وهذا يقتضي مدحا لنسب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من صميم العرب.

قال جعفر بن محمد في قوله: {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} قال: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية.

وقوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ} ٤ أي: شديد عليه جدا ما عنتم، أي: عنتكم وهو لحاق الأذى الذي يضيق به الصدر، ولا يهتدي للمخرج، وهي هنا لفظ عام أي: ما شق عليكم من كفر وضلال وقتل وأسر وامتحان بسبب الحق. و"ما" مصدرية وهي مبتدأ، و "عزيز" خبر مقدم، ويجوز أن يكون "ما عنتم" فاعلاً ب "عزيز" و "عزيز" صفة للرسول، وهذا أصوب.


١ سورة التوبة آية: ١٢٨.
٢ سورة التوبة آية: ١٢٨.
٣ سورة البقرة آية: ١٢٩.
٤ سورة التوبة آية: ١٢٨.

<<  <   >  >>