للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} أي: بليغ الحرص عليكم، أي: على نفعكم وإيمانكم وهداكم. والمعنى: شدة طلب الشيء على الاجتهاد فيه.

وروى الطبراني بإسناد جيد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهوى إلا وهو يذكر لنا منه علمًا. قال: وقال: "ما بقي شيء يقرِّب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بينته لكم".

وروى مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثلي كمثل رجل استوقد نارًا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها قال: "فذلك مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار. هَلُمَّ عن النار، هَلُمَّ عن النار، فتغلبونني وتَقَحَمُّون فيها" ١.

وقوله: {بِالْمُؤْمِنِينَ} ، أي: لا بغيرهم، كما يفيده تقديم الجار رؤءوف، أي: بليغ الشفقة. قال أبو عبيدة: الرأفة أرق الرحمة (رحيم) . أي: بليغ الرحمة، كما هو اللائق بشريف منصبه، وعظيم خلقه، فتأمل هذه الآية وما فيها من أوصافه الكريمة ومحاسنه الجمة التي تقتضي أن ينصح لأمته، ويبلغ البلاغ المبين، ويسد الطرق الموصلة إلى الشرك، ويحمي جناب التوحيد غاية الحماية، ويبالغ أشد المبالغة في ذلك لئلا تقع الأمة في الشرك، وأعظم ذلك الفتنة بالقبور، فإن الغلو فيها هو الذي جر الناس في قديم الزمان وحديثه إلى الشرك، لا جرم فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وحمى جناب التوحيد حتى في قبره الذي هو أشرف القبور، حتى نهى عن جعله عيدًا، ودعا الله أن لا يجعله وثنًا يعبد.

وفي الآية مسائل:

منها: التنبيه على هذه النعمة العظيمة، وهي


١ أبو داود: الملاحم (٤٣٣٩) , وابن ماجه: الفتن (٤٠٠٩) .

<<  <   >  >>