وقصده من زمان ومكان، مأخوذ من المعاودة والاعتياد، فإن كان اسمًا للمكان فهو المكان الذي يقصد فيه الاجتماع وانتيابه للعبادة أو لغيرها، كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر جعلها الله عيدًا للحنفاء ومثابة، كما جعل أيام العيد فيها عيدًا، وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية، فلما جاء الله بالإسلام أبطلها وعوّض الحنفاء منها عيد الفطر وعيد النحر وأيام مني، كما عوضهم عن أعياد المشركين المكانية بالكعبة ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر".
وقال غيره: "هذا أمر بملازمة قبره والعكوف عنده واعتياد قصده وانتيابه، ونهى أن يجعل كالعيد الذي إنما يكون في العام مرة أو مرتين، فكأنه قال: لا تجعلوه كالعيد الذي يكون من الحول إلى الحول، واقصدوه كل ساعة وكل وقت".
قال ابن القيم رحمه الله: "وهذا مراغمة ومحادة ومناقضة لما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم وقلب للحقائق، ونسبة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التلبيس والتدليس بعد التناقض، فقاتل الله أهل الباطل أنَّى يؤفكون. ولا ريب أن من أمر الناس باعتياد أمر وملازمته وكثرة انتيابه بقوله: لا تجعلوا عيدًا، فهو إلى التلبيس وضد البيان أقرب منه إلى الدلالة والبيان، وهكذا غُيِّرَت أديان الرسل، ولولا أن الله أقام لدينه الأنصار والأعوان الذابّين عنه، لجرى عليه، ما جرى على الأديان قبله. ولو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله هؤلاء الضلال لم ينه عن اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، ويلعن فاعل ذلك، فإنه إذا لعن من اتخذها مساجد يعبد الله فيها، فكيف يأمر بملازمتها والعكوف عندها وأن يعتاد قصدها وانتيابها؟! ولا تجعل كالعيد الذي يجيء من الحول إلى الحول وكيف يسأل ربه أن لا يجعل قبره وثنًا يعبد، وكيف يقول أعلم الخلق بذلك: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن خشي أن يتخذ مسجدًا، وكيف يقول: "لا تجعلوا قبري