للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله: (من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر) . اعلم أن السحرة إذا أرادوا عمل السحر، عقدوا الخيوط، ونفثوا على كل عقدة حتى ينعقد ما يريدونه من السحر. ولهذا أمر الله بالاستعاذة من شرهم في قوله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} ١. يعني: السواحر اللاتي يفعلن ذلك، والنفث: هو النفخ مع ريق، وهو دون التفل وهو مرتبة بينهما، والنفث فعل الساحر. فإذا تكيفت نفسه بالخبث والشر الذي يريده بالمسحور، ويستعين عليه بالأرواح الخبيثة، نفخ في تلك العقد نفخًا معه ريق، فيخرج من نفسه الخبيثة نفس ممازج للشر والأذى مقترن بالريق الممازج لذلك. وقد يتساعد هو والروح الشيطانية على أذى المسحور، فيصيبه السحر بإذن الله الكوني الشرعي، لا الإذن القدري قاله ابن القيم.

قوله: (ومن سحر فقد أشرك) . نص في أن الساحر مشرك إذ لا يتأتى السحر بدون الشرك كما حكاه الحافظ عن بعضهم.

قوله: (ومن تعلق شيئًا وُكِّلَ إليه) . أي: من تعلق قلبه شيئًا بحيث يتوكل عليه، ويرجوه وكله الله إلى ذلك الشيء. فإن تعلق العبد على ربه وإلهه وسيده ومولاه، رب كل شيء ومليكه وكله إليه فكفاه ووقاه وحفظه وتولاه، و {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} ، [لأنفال، من الآية: ٤٠] ، كما قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} ٢. ومن تعلق على السحر والشياطين وكله الله إليهم فأهلكوه في الدنيا والآخرة.

وبالجملة فمن توكل على غير الله كائنًا من كان وكل إليه، وأتاه الشر في الدنيا والآخرة من جهته مقابلة له بنقيض قصده، وهذه سنة الله في عباده التي لا تبدل، وعادته التي لا تحول، أن من اطمأن إلى غيره أو وثق بسواه، أو ركن إلى مخلوق يدبره، أجرى الله تعالى


١ سورة الفلق آية: ٤.
٢ سورة الزمر آية: ٣٦.

<<  <   >  >>