والكذب، ومنازعة رب العالمين فيما اختص من الكبرياء والعظمة، وعلم الغيب، بل مجرد دعواه علم الغيب كفر، فكيف يكون المدعي لذلك وليًّا لله؟! ولقد عظم الضرر، واشتد الخطب بهؤلاء المفترين الذين ورثوا هذه العلوم عن المشركين، ولبسوا بها على خفافيش البصائر. نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة".
فإن قلت: كيف يكون علم الخط من الكهانة؟ وقد روى أحمد ومسلم عن "معاوية بن الحكم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومنا رجال يخطون فقال كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك" ١.
قلت: قال النووي: "معناه أن من وافق خطه، فهو مباح له، لكن لا طريق لنا إلى العلم باليقين بالموافقة، فلا يباح. والقصد أنه لا يباح إلا بيقين الموافقة وليس لنا يقين". وقال غيره: "المراد به النهي عنه والزجر عن تعاطيه، لأن خط ذلك النبي كان معجزة وعَلَمًا لنبوته، وقد انقطعت نبوته ولم يقل: فذلك الخط حرام دفعًا لتوهم أن خط ذلك النبي حرام".
قلت: ويحتمل أن المعنى أن سبب إصابة صاحب الخط هو موافقته لخط ذلك النبي، فمن وافق خطه أصاب. وإذا كان كذلك وكانت الإصابة نادرة بالنسبة إلى الخط، ولا طريق إلى اليقين بالموافقة صار ذلك بالنسبة إلى من يتعاطاه من أنواع الكهانة لمشاركته لها في المعنى إذا علمت ذلك، فاعلم أن مذهب الإمام أحمد أن حكم الكاهن والعراف الاستتابة، فإن تابا وإلا قتلا. ذكره غير واحد من الأصحاب.
فأما المعزم الذي يعزم على المصروع، ويزعم أنه يجمع الجن وأنها تطيعه، والذي يحل السحر، فقال في "الكافي" ذكرهما أصحابنا في السحرة الذين ذكرنا حكمهم. وقد توقف أحمد لما سئل عن الرجل يحل السحر، فقال: قد رخص فيه بعض الناس. قيل: إنه يجعل في الطنجير ماء ويغيب فيه، فنفض يده وقال: ما أدري ما هذا؟!. قيل له: فترى أن يؤتى مثل هذا يحل؟ قال: ما أدري
١ مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٣٧) , وأبو داود: الطب (٣٩٠٩) , وأحمد (٥/٤٤٨) .