للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} ١. ولو فقهوا أو فهموا لما تطيروا بما جئت به، لأنه ليس فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقتضي الطيرة، كأنه خير محض لا شر فيه، وصلاح لا فساد فيه، وحكمة لا عيب فيها، ورحمة لا جور فيها. فلو كان هؤلاء القوم من أهل الفهم والعقول السليمة لم يتطيروا من هذا، لأن الطيرة إنما تكون بالشر لا بالخير المحض والحكمة والرحمة، بل طائرهم معهم بسبب كفرهم وشركهم وبغيهم وهو عند الله كسائر حظوظهم، وأنصبائهم التي ينالونها منه بأعمالهم. ويحتمل أن يكون المعنى {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} ، أي: راجع عليكم، فالتطير الذي حصل لكم إنما يعود عليكم، وهذا من باب القصاص في الكلام ونظيره قوله عليه السلام: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم" ٢. ذكره ابن القيم.

وقوله: {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ} ٣ أي: من أجل أنا ذكرناكم وأمرناكم بتوحيد الله، وإخلاص العبادة له قابلتمونا بهذا الكلام؟! وتوعدتمونا بل أنتم قوم مسرفون. وقال قتادة: أئن ذكرناكم بالله تطيرتم بنا؟

ومطابقة الآيتين لمقصود الباب ظاهر، لأن الله تعالى لم يذكر الطير إلا عن أعدائه، فهو من أمر الجاهلية، لا من أمر الإسلام.

[لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر]

قال: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر" ٤. أخرجاه. زاد مسلم عن جابر: "ولا نوء ولا غول" ٥.

ش: قوله: (لا عدوى) . قال أبو السعادات: العدوى اسم من الأعداء كالدعوى والبقوى من الادعاء والإبقاء. يقال: أعداه الداء يعديه إعداء، وهو أن يصيبه مثل ما بصاحب الداء. وذلك أن يكون ببعير جرب مثلاً يتقي مخالطته بإبل أخرى حَذَار أن يتعدى ما به من الجرب إليها، فيصيبها ما أصابه. انتهى.


١ سورة النساء آية: ٧٨.
٢ البخاري: الاستئذان (٦٢٥٨) , ومسلم: السلام (٢١٦٣) , والترمذي: تفسير القرآن (٣٣٠١) , وأبو داود: الأدب (٥٢٠٧) , وابن ماجه: الأدب (٣٦٩٧) , وأحمد (٣/٢١٢) .
٣ سورة يس آية: ١٩.
٤ البخاري: الطب (٥٧٥٧) , ومسلم: السلام (٢٢٢٠) , وأبو داود: الطب (٣٩١١) , وأحمد (٢/٢٦٧ ,٢/٣٢٧ ,٢/٣٩٧ ,٢/٤٣٤) .
٥ البخاري: الطب (٥٧١٧ ,٥٧٥٧ ,٥٧٧١) , ومسلم: السلام (٢٢٢٠) , وأبو داود: الطب (٣٩١١ ,٣٩١٢) , وأحمد (٢/٢٦٧ ,٢/٣٩٧) .

<<  <   >  >>