للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

به الإمام أحمد. وروي ذلك عن عمر وابنه وسلمان رضي الله عنهم. ونظير ذلك ما روي عن خالد بن الوليد من أكل السم، ومن مشي سعد بن أبي وقاص وأبي مسلم الخولاني بالجيوش على متن البحر قاله ابن رجب.

قوله: "ولا طيرة"قال ابن القيم: هذا يحتمل أن يكون نفيًا أو يكون نهيًا، أي: لا تتطيروا، ولكن قوله في الحديث: "ولا عدوى ولا صفر ولا هامة" ١ يدل على أن المراد النفي وإبطال هذه الأمور التي كانت الجاهلية تعانيها. والنفي في هذا أبلغ من النهي، لأن النفي يدل على بطلان ذلك وعدم تأثيره، والنهي إنما يدل على المنع منه وفي "صحيح مسلم" عن معاوية بن الحكم السلمي أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومنا أناس يتطيرون؟ فقال: ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدَّنَّكم" ٢. فأخبر أن تأذيه وتشاؤمه بالتطير إنما هو في نفسه وعقيدته لا في المتطير به، فوهمه وخوفه وإشراكه هو الذي يطيره ويصده لا ما رآه وسمعه، فأوضح صلى الله عليه وسلم لأمته الأمر وبين لهم فساد الطيرة ليعلموا أن الله سبحانه لم يجعل لهم عليها علامة، ولا فيها دلالة، ولا نصبها سببًا لما يخافونه ويحذرونه، ولتطمئن قلوبهم، وتسكن نفوسهم إلى وحدانيته تعالى التي أرسل بها رسله ونزل بها كتبه، وخلق لأجلها السموات والأرض، وعمر الدارين الجنة والنار بسبب التوحيد فقطع صلى الله عليه وسلم علق الشرك من قلوبهم، لئلا يبقى فيها علق منها ولا يتلبسوا بعمل من أعمال أهل النار البتة.

فمن استمسك بعروة التوحيد الوثقى واعتصم بحبله المتين، وتوكل على الله، قطع هاجس الطيرة من قبل استقرارها، وبادر خواطرها من قبل استمكانها. قال عكرمة: "كنا جلوسًا عند ابن عباس فمر طائر يصيح. فقال رجل من القوم: خير خير. فقال ابن عباس: لا خير ولا شر"فبادره بالإنكار عليه لئلا يعتقد تأثيره في الخير والشر. وخرج طاووس مع صاحب له في سفر، فصاح غراب، فقال الرجل: خير، فقال طاووس: وأي خير عند هذا لا تصحبني انتهى. ملخصًا.


١ البخاري: الطب (٥٧١٧) , ومسلم: السلام (٢٢٢٠ ,٢٢٢١ ,٢٢٢٠) , وأبو داود: الطب (٣٩١١) , وأحمد (٢/٢٦٧ ,٢/٣٢٧ ,٢/٣٩٧) .
٢ مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٣٧) , وأبو داود: الصلاة (٩٣٠) , وأحمد (٥/٤٤٧) .

<<  <   >  >>