ولكن يشكل عليه ما رواه ابن حبان في صحيحه عن أنس مرفوعًا:"لا طيرة، والطيرة على من تطير" فظاهر هذا أنها تكون سببًا لوقوع الشر بالمتطير.
وجوابه: أن المراد بذلك من تطير تطيرًا منهيًّا عنه، وهو أن يعتمد على ما يسمعه ويراه حتى يمنعه مما يريده من حاجته، فإنه قد يصيبه ما يكرهه عقوبة له، فأما من توكل على الله، ووثق به بحيث علق قلبه بالله خوفًا ورجاء، وقطعه عن الالتفات إلى غير الله. وقال: وفعل ما أمر به فإنه لا يضره ذلك. وأما من اتقى أسباب الضرر بعد انعقادها بالأسباب المنهي عنها، فإنه لا ينفعه ذلك غالبًا كمن ردته الطيرة عن حاجته خشية أن يصيبه ما تطير به، فإنه كثيرًا ما يصاب بما يخشى به.
وقد جاءت أحاديث ظن بعض الناس أنها تدل على جواز الطيرة.
منها: قوله عليه السلام: "الشؤم في ثلاث: في المرأة، والدابة، والدار" ١. وفي رواية:"لا عدوى ولا طيرة، والشؤم في ثلاث ... ". الحديث وفي حديث آخر "إن كان ففي الفرس، والمرأة، والمسكن". رواهما البخاري فأنكرت عائشة رضي الله عنها ذلك وقالت:"كذب والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم من حدث بها ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "كان أهل الجاهلية يقولون: إن الطيرة في المرأة والدار والدابة" ثم قرأت عائشة: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[الحديد: ٢٢] . رواه أحمد وابن خزيمة والحاكم وصححه بمعناه. وقال الخطابي وابن قتيبة: هذا مستثنى من الطيرة، أي: الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع والطلاق ونحوه، ولا يقيم على الكراهة والتأذي به فإنه شؤم.
وقالت طائفة: لم يجزم النبي صلى الله عليه وسلم بالشؤم في هذه الثلاثة، بل
١ النسائي: قطع السارق (٤٨٧٧) , وأبو داود: الحدود (٤٣٨٠) , وابن ماجه: الحدود (٢٥٩٧) , وأحمد (٥/٢٩٣) , والدارمي: الحدود (٢٣٠٣) .