للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: فقال: "أحسنها الفأل". قد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل. وروى الترمذي وصححه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا خرج لحاجته يحب أن يسمع يا نجيح يا راشد" ١ وروى أبو داود عن بريدة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه فإذا أعجبه، فرح به وإن كره اسمه، رئي كراهيته ذلك في وجهه" ٢. وإسناده حسن. فهذا في استعمال الفأل. قال ابن القيم في الكلام على الحديث المشروح: أخبر صلى الله عليه وسلم أن الفأل من الطيرة وهو خيرها، فأبطل الطيرة، وأخبر أن الفأل منها، ولكنه خير منها، ففصل بين الفأل والطيرة لما بينهما من الامتياز والتضاد، ونفع أحدهما ومضرة الآخر، ونظير هذا منعه من الرقى بالشرك، وإذنه في الرقية إذا لم يكن فيها شرك لما فيها من المنفعة الخالية عن المفسدة.

قوله: "ولا ترد مسلمًا". قال الطّيْبِي: تعريض بأن الكافر بخلافه.

قوله: "اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت"، أي: لا تأتي الطيرة بالحسنات ولا تدفع المكروهات، بل أنت

وحدك لا شريك لك، الذي تأتي بالحسنات وتدفع السيئات. وهذا دعاء مناسب لمن وقع في قلبه شيء من الطيرة، وتصريح بأنها لا تجلب نفعًا ولا تدفع ضرًّا، ويعد من اعتقدها سفيهًا مشركًا.

قوله: "ولا حول ولا قوة إلا بك"، استعانة بالله تعالى على فعل التوكل، وعدم الالتفات إلى الطيرة التي قد تكون سببًا لوقوع المكروه وعقوبة لفاعلها، وذلك إنما يصدر من تحقيق التوكل الذي هو أقوى الأسباب في جلب الخيرات، ودفع المكروهات. والحول: التحول والانتقال من حال إلى حال، والقوة على ذلك، أي: لا حول ولا قوة على ذلك الحول إلا بك، وذلك يفيد التوكل على الله لأنه علم وعمل، فالعلم معرفة القلب بتوحد الله بالنفع والضر، وعامة


١ الترمذي: السير (١٦١٦) .
٢ أبو داود: الطب (٣٩٢٠) , وأحمد (٥/٣٤٧) .

<<  <   >  >>