للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المؤمنين بل كثير من المشركين يعلمون ذلك، والعمل هو ثقة القلب بالله وفراغه من كل ما سواه، وهذا عزيز ويختص به خواص المؤمنين، وهو داخل في هذه الكلمة، لأن فيها التبرؤ من الحول والقوة والمشيئة بدون حول الله وقوته ومشيئته والإقرار بقدرته على كل شيء، وبعجز العبد عن كل شيء إلا ما أقدره عليه ربه، وهذا نهاية توحيد الربوبية الذي يثمر التوكل وتوحيد العبادة.

[الطيرة شرك]

قال: وعن ابن مسعود مرفوعًا: "الطيرة شرك الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل" ١. رواه أبو داود والترمذي وصححه وجعل آخره من قول ابن مسعود.

ش: هذا الحديث رواه أيضًا ابن ماجة وابن حبان ولفظ أبي داود: "الطيرة شرك الطيرة شرك ثلاثًا" ٢.

قوله: "الطيرة شرك"، صريح في تحريم الطيرة وأنها من الشرك لما فيها من تعلق القلب على غير الله. وقال ابن حمدان في "الرعاية": تكره الطيرة، وكذا قال غير واحد من أصحاب أحمد. قال ابن مفلح: والأولى القطع بتحريمها. ولعل مرادهم بالكراهة التحريم.

قلت: بل الصواب القطع بتحريمها، لأنها شرك وكيف يكون الشرك مكروهًا الكراهة الاصطلاحية؟! فإن كان القائل بكراهتها أراد ذلك فلا ريب في بطلانه. قال في "شرح السنن": وإنما جعل الطيرة من الشرك لأنهم كانوا يعتقدون أن التطير يجلب لهم نفعًا، أو يدفع عنهم ضرًّا إذا عملوا بموجبه فكأنهم شركوه مع الله تعالى.

قوله: "وما منا إلا ... ". قال أبو القاسم الأصبهاني والمنذري: في الحديث إضمار والتقدير: وما منا إلا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك انتهى. وحاصله: وما منا إلا من يعتريه التطير، ويسبق إلى قلبه الكراهة فيه. فحذف ذلك اعتمادًا على فهم السامع. وقال الخلخالي: حذف المستثنى لما يتضمنه من الحالة المكروهة وهذا نوع من أدب الكلام.


١ الترمذي: السير (١٦١٤) , وأبو داود: الطب (٣٩١٠) , وابن ماجه: الطب (٣٥٣٨) , وأحمد (١/٣٨٩ ,١/٤٣٨ ,١/٤٤٠) .
٢ الترمذي: السير (١٦١٤) , وأبو داود: الطب (٣٩١٠) , وابن ماجه: الطب (٣٥٣٨) , وأحمد (١/٣٨٩ ,١/٤٣٨ ,١/٤٤٠) .

<<  <   >  >>