للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الله عزّ وجل يقسم بما شاء من خلقه، وهو دليل على عظمة المقسم به وتشريفه.

وتقديره: أقسم بمواقع النجوم، ويكون جوابه: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} ١، فعلى هذا تكون "لا" صلة لتأكيد النفي، فتقدير الكلام: ليس الأمر كما زعمتم في القرآن أنه سحر أو كهانة، بل هو قرآن كريم.

قال ابن جرير: "قال بعض أهل العربية: معنى قوله: {فلا أقسم} ، فليس الأمر كما تقولون، ثم استؤنف القسم بعد، فقيل: أقسم ; ومواقع النجوم. قال ابن عباس: يعني نجوم القرآن، فإنه نزل جملة ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا، ثم نزل مفرقًا في السنين بعد، ثم قرأ ابن عباس هذه الآية. ومواقعها: نزولها شيئًا بعد شيء، وقيل: النجوم هي الكواكب، ومواقعها: مساقطها عند غروبها، قال مجاهد: مواقع النجوم يقال: مطالعها ومشارقها، واختاره ابن جرير. وعلى هذا فتكون المناسبة بين ذكر النجوم في القسم وبين المقسم عليه وهو القرآن من وجوه:

أحدها: أنّ النجوم جعلها الله يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الغي والجهل، فتلك هداية في الظلمات الحسية، وآيات القرآن هداية في الظلمات المعنوية، فجمع بين الهدايتين مع ما في النجوم من الزينة الظاهرة للعالم وفي القرآن من الزينة الباطنة، ومع ما في النجوم من الرجوم للشياطين، وفي آيات القرآن من رجوم شياطين الإنس والجن، والنجوم آياته المشهودة العيانية، والقرآن آياته المتلوة السمعية مع ما في مواقعها عند الغروب من العبرة والدلالة على آياته القرآنية ومواقعها عند النّزول، ذكره ابن القيم.

وقوله: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} ٢. قال ابن كثير: أي وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم، لو تعلمون عظمته لعظمتم المقسم عليه.


١ سورة الواقعة آية: ٧٧.
٢ سورة الواقعة آية: ٧٦.

<<  <   >  >>