للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حال كل خلة ومحبة كانت في الدنيا على غير طاعة الله، فإنها تعود عداوة وندامة يوم القيامة بخلاف المحبة والخلة على طاعة الله، فإنها من أعظم القربات كما جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال: "ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه" ١. وفي الحديث القدسي الذي رواه مالك وابن حبان في صحيحه: "وجبت محبتي للمتحابين في وللمتجالسين فِيَّ، وللمتزاورين فِيَّ وللمتباذلين فِيَّ" ٢. وهذا الكلام قاله ابن عباس رضي الله عنه في أهل زمانه، فكيف لو رأى الناس فيما هم فيه من المؤاخاة على الكفر والبدع والفسوق والعصيان؟! ولكن هذا مصداق قوله عليه السلام: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ" ٣.

وفيه إشارة إلى أن الأمر قد تغير في زمن ابن عباس بحيث صار الأمر إلى هذا بالنسبة إلى ما كان في زمن الخلفاء الراشدين فضلاً عن زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد روى ابن ماجة عن "ابن عمر قال: لقد رأيتنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما منا أحد يرى أنه أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم"٤. وأبلغ منه قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} ٥. فهذا كان حالهم في ذلك الوقت الطيب، وهؤلاء هم المتحابون لجلال الله كما في الحديث القدسي يقول الله عزّ وجل: "أين المتحابون لجلالي، اليوم أظلهم في ظلي" ٦ فهذه هي المحبة النافعة لا لمحبة الدنيا، وهي التي أوجبت لهم المواساة والإيثار على الأنفس. {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} ٧.

قال المصنف: وقال "ابن عباس: في قوله: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة من الآية: ١٦٦] قال: المودة".

ش: هذا الأثر رواه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه.


١ البخاري: الأذان (٦٦٠) , ومسلم: الزكاة (١٠٣١) , والترمذي: الزهد (٢٣٩١) , وأحمد (٢/٤٣٩) , ومالك: الجامع (١٧٧٧) .
٢ أحمد (٥/٢٣٣) , ومالك: الجامع (١٧٧٩) .
٣ مسلم: الإيمان (١٤٥) , وابن ماجه: الفتن (٣٩٨٦) , وأحمد (٢/٣٨٩) .
٤ أحمد (٢/٨٤) .
٥ سورة الحشر آية: ٩.
٦ مسلم: البر والصلة والآداب (٢٥٦٦) , وأحمد (٢/٢٣٧ ,٢/٣٣٨ ,٢/٣٧٠ ,٢/٥٣٥) , ومالك: الجامع (١٧٧٦) , والدارمي: الرقاق (٢٧٥٧) .
٧ سورة الحديد آية: ٢١.

<<  <   >  >>