للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من حديثه مرفوعًا ولا يثبت رفعه. قاله الحافظ: ويدخل في ذلك تحقيق الإيمان بالقدر السابق كما في حديث ابن عباس مرفوعًا: "فإن استطعت أن تعمل بالرضى في اليقين فافعل، وإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا". وفي رواية أخرى في إسنادها ضعف: "قلت: يا رسول الله: كيف أصنع باليقين؟ قال: أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك" ١.

قوله: (أن ترضي الناس بسخط الله) . أي: تؤثر رضاهم على رضي الله، فتوافقهم على ترك المأمور، أو فعل المحظور استجلابًا لرضاهم فلولا ضعف اليقين لما فعلت ذلك، لأن من قوي يقينه علم أن الله وحده هو النافع الضار، وأنه لا مُعَوَّل إلا على رضاه، وليس لسواه من الأمر شيء كائنًا ما كان فلا يهاب أحدًا، ولا يخشاه لخوف ضرر يلحقه من جهته كما قال تعالى: {وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} ٢.

قوله: (وأن تحمدهم على رزق الله) ، أي: تحمدهم وتشكرهم على ما وصل إليك على أيديهم من رزق، بأن تضيفه إليهم وتنسى المنعم المتفضل على الحقيقة وهو الله رب العالمين الذي قدر هذا الرزق لك، وأوصله إليك بلطفه ورحمته فإنه لطيف لما يشاء وهو العليم الحكيم فإذا أراد أمرًا قيض له أسبابًا ولا ينافي ذلك حديث: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله". لأن المراد هنا إضافة النعمة إلى السبب ونسيان الخالق، والمراد بشكر الناس عدم كفر إحسانهم ومجازاتهم على ذلك بما استطعت، فإن لم تجد فجازهم بالدعاء.

قوله: (وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله) ، أي: إذا طلبتهم شيئًا فمنعوك ذممتهم على ذلك، فلو علمت يقينًا أن المتفرد بالعطاء والمنع هو الله وحده، وأن المخلوق مُدَبَّر {لا يَمْلِكُ} لنفسه {ضَرّاً وَلا


١ أبو داود: السنة (٤٧٠٠) .
٢ سورة الأحزاب آية: ٣٩.

<<  <   >  >>