للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَفْعاً} فضلاً عن غيره، وأن الله لو قدر لك رزقًا; أتاك ولو اجتهد الخلق كلهم في دفعه، وإن أرادك بمنع لم يأتك مرادك ولو اجتمع الخلق كلهم في إيصاله إليك; لقطعت العلائق عن الخلائق وتوجهت بقلبك إلى الخالق تبارك وتعالى، ولهذا قرر ذلك بقوله: "إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره". فلا ترض الخلق بما يسخط الله، ولا تحمدهم على رزق الله، ولا تذمهم على ما لم يؤتك الله طلبًا لحصول رزق من جهتهم، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، [فاطر: ٢] .

قال شيخ الإسلام: اليقين يتضمن اليقين في القيام بأمر الله وما وعد الله أهل طاعته ويتضمن اليقين بقدر الله وخلقه وتدبيره، فإذا أرضيتهم بسخط الله لم تكن موقنًا لا بوعد الله ولا برزق الله، فإنه إنما يحمل الإنسان على ذلك إما ميل إلى ما في أيديهم فيترك القيام فيهم بأمر الله لما يرجوه منهم، وإما ضعف تصديقه بما وعد الله أهل طاعته من النصر والتأييد والثواب في الدنيا والآخرة، فإنك إذا أرضيت الله نصرك ورزقك وكفاك مؤنتهم، وإرضاؤهم بما يسخطه إنما يكون خوفًا منهم، ورجاء لهم وذلك من ضعف اليقين، وإذا لم يقدر لك ما تظن أنهم يفعلونه معك فالأمر في ذلك إلى الله لا لهم، فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فإذا ذممتهم على ما يقدر، كان ذلك من ضعف يقينك فلا تخفهم ولا ترجهم، ولا تذمهم من جهة نفسك وهواك، ولكن من حمده الله ورسوله منهم فهو المحمود، ومن ذمه الله ورسوله فهو المذموم، ولما قال بعض وفد بني تميم: "أي محمد أعطني فإن حمدي زين وذمي شين"= قال صلى الله عليه وسلم: "ذاك الله" ت.

وفي الحديث أن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأعمال داخلة في الإيمان وإلا لم تكن هذه الثلاث من ضعفه وأضدادها من قوته.

<<  <   >  >>