للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحتاجون معه إلى أحد، وقيل: المعنى حسبك الله وحسبك المؤمنون. قال ابن القيم: وهذا خطأ محض لا يجوز حمل الآية عليه، فإن الحسب والكفاية لله وحده كالتوكل والتقوى والعبادة. قال تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} ١. ففرق بين الحسب والتأييد، فجعل الحسب له وحده، وجعل التأييد له بنصره وبعباده، وأثنى على أهل التوحيد من عباده حيث أفردوه بالحسب فقال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ٢. ولم يقولوا: حسبنا الله ورسوله، فإذا كان هذا قولهم ومدح الرب تعالى لهم بذلك فكيف يقول لرسوله: الله وأتباعك حسبك؟! وأتباعه قد أفردوا الرب تعالى بالحسب، ولم يشركوا بينه وبين رسوله، فكيف يشرك بينه وبينهم في حسب رسوله صلى الله عليه وسلم؟! هذا من أمحل المحال وأبطل الباطل.

ونظير هذا قوله سبحانه: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} ٣. فتأمل كيف جعل الإيتاء لله والرسول كما قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} ٤.

وجعل الحسب له، فلم يقل: وقالوا حسبنا الله ورسوله، بل جعله خالص حقه، كما قال: {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} ٥. ولم يقل وإلى رسوله، بل جعل الرغبة إليه وحده، كما قال: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} ٦. فالرغبة والتوكل والإنابة والحسب لله وحده، كما أن العبادة والتقوى والسجود والنذر والحلف لا يكون إلا له سبحانه وتعالى انتهى كلامه.

وبهذا يتبين مطابقة الآية للترجمة، لأن الله تعالى أخبر أنه حسب رسوله، وحسب أتباعه. أي: كافيهم وناصرهم، {فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} ، [الحج: من الآية: ٧٨] ، وفي ضمن ذلك أمر لهم بإفراده تعالى بالحسب، استكفاء بكفايته تبارك وتعالى وذلك هو التوكل.


١ سورة الأنفال آية: ٦٢.
٢ سورة آل عمران آية: ١٧٣.
٣ سورة التوبة آية: ٥٩.
٤ سورة الحشر آية: ٧.
٥ سورة التوبة آية: ٥٩.
٦ سورة الشرح آية: ٨.

<<  <   >  >>