للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: وقوله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ١.

قال ابن القيم:"أي: كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه، فلا مطمع فيه لعدوه، ولا يضره إلا أذى لا بد منه كالحر والبرد والجوع والعطش. وأما أن يضره بما يبلغ به مراده فلا يكون أبدًا، وفرق بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاء، وهو في الحقيقة إحسان إليه، وإضرار بنفسه، وبين الضرر الذي يشتفى به منه. قال بعض السلف: جعل الله لكل عمل جزاء من نفسه، وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته، فقال: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ٢. ولم يقل: فله كذا وكذا من الأجر، كما قال في الأعمال، بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل عليه، وحسبه، وواقيه، فلو توكل العبد على الله حق توكله، وكادته السموات والأرض ومن فيهن، لجعل له مخرجًا، وكفاه، ونصره، انتهى.

وفي أثر رواه أحمد في "الزهد" عن وهب بن منبه، قال الله عزّ وجل في بعض كتبه: "بعزتي إنه من اعتصم بي فإن كادته السموات ومن فيهن، والأرضون بمن فيهن، فإني أجعل له بذلك مخرجًا، ومن لم يعتصم بي، فإني أقطع يديه من أسباب السماء، وأخسف من تحت قدميه الأرض، فأجعله في الهواء ثم أكله إلى نفسه، كفى بي لعبدي مآلاً، إذا كان عبدي في طاعتي أعطيه قبل أن يسألني، وأستجيب له قبل أن يدعوني، فأنا أعلم بحاجته التي ترفق به منه".

وفي الآية دليل على فضل التوكل، وأنه أعظم الأسباب في جلب المنافع، ودفع المضار، لأن الله علق الجملة الأخيرة على الأولى تعليق الجزاء على الشرط، فيمتنع أن يكون وجود الشرط كعدمه، لأنه تعالى رتب الحكم على الوصف المناسب له، فعلم أن توكله هو سبب كون الله حسبًا له، ذكره شيخ الإسلام.

وفيها تنبيه على القيام بالأسباب مع التوكل، لأنه تبارك وتعالى ذكر التقوى، ثم ذكر التوكل، كما قال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} ٣. فجعل التقوى الذي هو قيام


١ سورة الطلاق آية: ٣.
٢ سورة الطلاق آية: ٣.
٣ سورة المائدة آية: ١١.

<<  <   >  >>