ويسر فإن ذلك أقل لهمك، وأبلغ فيما تطلب من أمر آخرتك، واعلم أن العبد لن يصيب حقيقة الرضى حتى يكون رضاه عند الفقر والبلاء كرضاه عند الغنى والرخاء كيف تستقضي الله في أمرك، ثم تسخط إن رأيت قضاءه مخالفًا لهواك؟ ولعل ما هويت من ذلك لو وفق لك لكان فيه هلاكك، وترضى قضاءه إذا وافق هواك، وذلك لقلة علمك بالغيب، إذا كنت كذلك ما أنصفت من نفسك، ولا أصبت باب الرضى. ذكره ابن رجب قال: وهذا كلام حسن.
قوله:"ومن سخط"، هو بكسر الخاء قال أبو السعادات: السخط الكراهية للشيء وعدم الرضى به، أي: من سخط أقدار الله فله السخط أي: من الله وكفى بذلك عقوبة. قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} ١. وفيه دليل أن السخط من أكبر الكبائر وقد يستدل به على إيجاب الرضى كما هو اختيار ابن عقيل. واختار القاضي عدم الوجوب، ورجحه شيخ الإسلام، وابن القيم. قال شيخ الإسلام: ولم يجئ الأمر به كما جاء الأمر بالصبر، وإنما جاء الثناء على أصحابه ومدحهم. قال وأما ما جاء من الأثر:"من لم يصبر على بلائي، ولم يرض بقضائي فليتخذ ربًّا سواي". فهذا إسرائيلي ليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: قد روى الطبراني في الأوسط معناه عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعًا: "من لم يرض بقضاء الله ويؤمن بقدر الله، فليلتمس إلهًا غير الله". قال الهيثمي: فيه حزم بن أبي حزم وثقه ابن معين، وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات. فإن ثبت هذا دل على وجوبه. قال شيخ الإسلام: وأعلى من ذلك، أي: من الرضى أن يشكر الله على المصيبة لما يرى من إنعام الله تعالى عليه بها. انتهى.
واعلم أنه لا تنافي بين الرضى وبين الإحساس بالألم فكثير ممن له أنين من وجع وشدة مرض قلبه مشحون من الرضى والتسليم لأمر الله.