للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حديث "إذا سبقت للعبد من الله منْزلة ... " ١ الحديث. ولأن ذلك يدعو إلى التوبة فإن الله تعالى يبتلي العباد بعذاب الدنيا ليتوبوا من الذنوب كما قال تعالى: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ٢. فمن رزقه الله التوبة بسبب المصيبة كان ذلك من أعظم نعم الله عليه، ولأن ذلك يحصل به دعاء الله والتضرع إليه; ولهذا ذم الله من لا يستكين لربه، ولا يتضرع عند حصول البأساء كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} ٣. ودعاء الله والتضرع إليه من أعظم النعم، فهذه النعمة والتي قبلها من أعظم صلاح الدين، فإن صلاح الدين في أن يعبد الله وحده ويتوكل عليه، وأن لا تدعو مع الله إلهًا آخر لا دعاء عبادة، ولا دعاء مسألة. فإذا حصلت لك التوبة التي مضمونها أن تعبد الله وحده، وتطيع رسله بفعل المأمور، وترك المحظور، كنت ممن يعبد الله، وإذا حصل لك الدعاء الذي هو سؤال الله حاجاتك، فتسأله ما تنتفع به، وتستعيذ به مما تستضر به، كان هذا من أعظم نعم الله عليك، وهذا كثيرًا ما يحصل بالمصائب. وإذا كانت هذه النعم في المصائب، فأولى الناس بها أحبابه، فعليهم حينئذ أن يشكروا الله. لخصت ذلك من كلام شيخ الإسلام رحمه الله.

قوله: "فمن رضي فله الرضى". أي: من رضي بما قضاه الله وقدره عليه من الابتلاء فله الرضى من الله جزاءً وفاقًا. كما قال تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ٤. وهذا دليل على فضيلة الرضى، وهو أن لا يعترض على الحكم ولا يتسخطه ولا يكرهه، وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فقال: "لا تتهم الله في شيء قضاه لك" ٥. فإذا نظر المؤمن بالقضاء والقدر في حكمة الله ورحمته، وأنه غير متهم في قضائه، دعاه ذلك إلى الرضى، قال ابن مسعود: إن الله بقسطه وعلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضى، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط. وقال ابن عون: ارْضَ بقضاء الله من عسر


١ أبو داود: الجنائز (٣٠٩٠) , وأحمد (٥/٢٧٢) .
٢ سورة الروم آية: ٤١.
٣ سورة المؤمنون آية: ٧٦.
٤ سورة البينة آية: ٨.
٥ أحمد (٥/٣١٨) .

<<  <   >  >>