للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الطّيْبِي: المعنى أنه إذا وقع في البلاء لا يترحم عليه، فإن من وقع في البلاء إذا ترحم له الناس ربما هان الخطب عليه، ويتسلى بعض التسلي، وهؤلاء بخلافه، بل يزيد غيظهم بفرح الأعداء أو شماتتهم.

فإن قيل: لم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الدينار والدرهم؟

قيل: لما كان ذلك هو مقصوده ومطلوبه الذي عمل له، وسعى في تحصيله بكل ممكن حتى صارت نيته مقصورة عليه يغضب ويرضى له صار عبدًا له.

قال شيخ الإسلام: فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الدينار والدرهم، وعبد القطيفة، وعبد الخميصة، وذكر فيه ما هو دعاء وخبر. وهو قوله: "تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش"، وهذه حال من أصابه شر لم يخرج منه ولم يفلح لكونه تعس وانتكس، فلا نال المطلوب، ولا خلص من المكروه، وهذه حال من عبد المال. وقد وصف ذلك بأنه إن أعطي رضي وإن منع سخط كما قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} ١. فرضاهم لغير الله، وسخطهم لغير الله، وهكذا حال من كان متعلقًا برئاسة أو بصورة، أو نحو ذلك من أهواء نفسه إن حصل له رضي، وإن لم يحصل له سخط، فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له، إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته، فما استرق القلب واستعبده، فهو عبده ... إلى أن قال: وهكذا أيضًا طالب المال فإن ذلك يستعبده ويسترقه.

وهذه الأمور نوعان: فمنها ما يحتاج إليه العبد كما يحتاج إلى طعامه وشربه ومنكحه ومسكنه ونحو ذلك، فهذا يطلبه من الله ويرغب إليه فيه فيكون المال عنده، يستعمله في حاجته بمنْزلة حماره الذي يركبه، وبساطه الذي يجلس عليه من غير أن يستعبدوه فيكون


١ سورة التوبة آية: ٥٨.

<<  <   >  >>