للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومراد أحمد الإنكار على من يعرف إسناد الحديث وصحته، ثم بعد ذلك يقلد سفيان أو غيره، ويعتذر بالأعذار الباطلة إما بأن الأخذ بالحديث اجتهاد والاجتهاد انقطع منذ زمان، وإما بأن هذا الإمام الذي قلدته أعلم مني، فهو لا يقول إلا بعلم، ولا يترك هذا الحديث مثلاً إلا عن علم، وإما بأن ذلك اجتهاد، ويشترط في المجتهد أن يكون عالمًا بكتاب الله عالمًا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وناسخ ذلك ومنسوخه، وصحيح السنة وسقيمها، عالمًا بوجوه الدلالات، عالمًا بالعربية والنحو والأصول، ونحو ذلك من الشروط التي لعلها لا توجد تامة في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، كما قاله المصنف، فيقال له: هذا إن صح، فمرادهم بذلك المجتهد المطلق، أما أن يكون ذلك شرطًا في جواز العمل بالكتاب والسنة، فكذب على الله، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى أئمة العلماء، بل الفرض والحتم على المؤمن إذا بلغه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلم معنى ذلك في أي شيء كان أن يعمل به ولو خالفه من خالفه، فبذلك أمرنا ربنا تبارك وتعالى ونبينا صلى الله عليه وسلم وأجمع على ذلك العلماء قاطبة إلا جهال المقلدين وجفاتهم، ومثل هؤلاء ليسوا من أهل العلم١ كما حكى الإجماع على أنهم ليسوا من أهل العلم أبو عمر بن عبد البر وغيره قال الله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} ٢. وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} ٣. فشهد تعالى لمن أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم بالهداية، وعند جفاة المقلدين أن من أطاعه صلى الله عليه وسلم ليس بمهتد إنما المهتدي من عصاه، وعدل عن أقواله، ورغب عن سنته إلى مذهب أو شيخ ونحو ذلك، وقد وقع في هذا التقليد المحرم خلق كثير ممن يدعي العلم والمعرفة بالعلوم، ويصنف التصانيف في


١ في الطبعة السابقة: زيادة كلمة "منهم".
٢ سورة الأعراف آية: ٣.
٣ سورة النور آية: ٥٤.

<<  <   >  >>