للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث والسنن، ثم بعد ذلك تجده جامدًا على أحد هذه المذاهب، ويرى الخروج عنها من العظائم.

وفي كلام أحمد إشارة إلى أن التقليد قبل بلوغ الحجة لا يذم، إنما المذموم المنكر الحرام الإقامة على ذلك بعد بلوغ الحجة، نعم وينكر الإعراض عن كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإقبال على تعلم الكتب المصنفة في الفقه استغناء بها عن الكتاب والسنة، بل إن قرؤوا شيئًا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنما يقرءون تبركًا لا تعلمًا وتفقهًا، أو لكون بعض الموقفين وقف على من قرأ البخاري مثلاً، فيقرؤونه لتحصيل الوظيفة لا لتحصيل الشريعة، فهؤلاء من أحق الناس بدخولهم في قول الله تعالى:

{وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً}

١. وقوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ... } ٢ إلى قوله: {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} ٣.

فإن قلت: فماذا يجوز للإنسان من قراءة هذه الكتب المصنفة في المذاهب؟ قيل: يجوز من ذلك قراءتها على سبيل الاستعانة بها على فهم الكتاب والسنة، وتصوير المسائل، فتكون من نوع الكتب الآلية، أما أن تكون هي المقدمة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الحاكمة بين الناس فيما اختلفوا فيه، المدعو إلى التحاكم إليها دون التحاكم إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم فلا ريب أن ذلك مناف للإيمان مضاد له كما قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} ٤.

فإذا كان التحاكم عند المشاجرة إليها دون الله ورسوله، ثم إذا٥ قضى الله ورسوله أمرًا وجدت الحرج في نفسك، وإن قضى أهل الكتاب بأمر لم تجد حرجًا، ثم إذا قضى الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر لم تسلم له، وإذا


١ سورة طه آية: ٩٩-١٠١.
٢ سورة طه آية: ١٢٤.
٣ سورة طه آية: ١٢٧.
٤ سورة النساء آية: ٦٥.
٥ في الطبعة السابقة: "إنما" بدل "إذا".

<<  <   >  >>