والثاني: من غيرهم وهو استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم لهم إذا جاءوه، وانقادوا له، واعترفوا بظلمهم، فمتى فعلوا ذلك وجدوا الله توابًا رحيمًا يتوب عليهم فيمحو أثر سيئاتهم ويقيهم شرها، ويزيدهم مع ذلك رحمته وبره وإحسانه.
فإن قلت: فما حظ من ظلم نفسه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الآية؟ وهل كلام بعض الناس في دعوى المجيء إلى قبره صلى الله عليه وسلم والاستغفار عنده، والاستشفاع به، والاستدلال بهذه الآية على ذلك صحيح أم لا؟ .
قيل: أما حظ من ظلم نفسه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الآية فالاستغفار، وأن يتوب إلى الله توبة نصوحًا في كل زمان ومكان، ولا يشترط في صحة التوبة المجيء إلى قبره، والاستغفار عنده بالإجماع. وأما المجيء إلى قبره، والاستغفار عنده، والاستشفاع به، والاستدلال بالآية على ذلك، فهو استدلال على ما لا تدل الآية عليه بوجه من وجوه الدلالات، لأنه ليس في الآية إلا المجيء إليه صلى الله عليه وسلم لا المجيء إلى قبره، واستغفاره لهم، لاستشفاعهم به بعد موته، فعلم أن ذلك باطل، يوضح ذلك أن الصحابة الذين هم أعلم الناس بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما فهموا هذا من الآية، فعلم أن ذلك بدعة. وأكثر ما استدل به من أجاز ذلك رواية العتبي عن أعرابي مجهول على أن القصة لا نعلم لها إسنادًا. ومثل هذا لو كان حديثًا، أو أثرًا عن صحابي لم يجز الاحتجاج به، ولم يلزمنا حكمه لعدم صحته، فكيف يجوز الاحتجاج في هذا بقصة لا تصح عن بدوي لا يعرف؟!.
ثم قال تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} ١.
قال ابن القيم: أقسم سبحانه بأجل مقسم به، وهو نفسه عزّ وجل