للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أنه لا يثبت لهم الإيمان، ولا يكونون من أهله حتى يحكم لرسوله صلى الله عليه وسلم في جميع موارد النّزاع، وفي جميع أبواب الدين فإن لفظة "ما" من صيغ العموم، ولم يقتصر على هذا حتى ضم إليه انشراح صدورهم بحكمه، بحيث لا يجدون في أنفسهم حرجًا، وهو الضيق والحصر من حكمه، بل يقبلون حكمه بالانشراح، ويقابلونه بالقبول، لا يأخذونه على إغماض، و] لا] ١ يشربونه على قَذَى، فإن هذا مناف للإيمان، بل لا بد أن يكون أخذه بقبول ورضى، وانشراح صدر. ومتى أراد العبد شاهدًا فلينظر في حاله، ويطالع قلبه عند ورود حكمه على خلاف هواه وغرضه، أو على خلاف ما قلد فيه أسلافه من المسائل الكبار وما دونها {بَلِ الأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} ٢، فسبحان الله! كم من حزازة في نفوس كثير من النصوص، وبودهم أن لو لم ترد، وكم من حرارة في أكبادهم منها، وكم من شجى في حلوقهم من موردها، ثم لم يقتصر سبحانه على ذلك حتى ضم إليه قوله: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} ٣ فذكر الفعل مؤكدًا له بالمصدر القائم مقام ذكره مرتين، وهو الخضوع والانقياد لما حكم به طوعًا ورضى وتسليما، لا قهرًا أو مصابرة، كما يسلم المقهور لمن قهره كرهًا، بل تسليم عبد مطيع لمولاه وسيده الذي هو أحب شيء إليه، يعلم أن سعادته وفلاحه في تسليماته. انتهى.

وقد ورد في "الصحيح" أن سبب نزولها قصة الزبير لما اختصم هو والأنصاري في شراج الحرة، ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإذا كان سبب نزولها مخاصمة في مسيل ماء قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء، فلم يرضه الأنصاري،


١ سقطت لا من الطبعة السابقة.
٢ سورة القيامة آية: ١٤-١٥.
٣ سورة النساء آية: ٦٥.

<<  <   >  >>