للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فنفى تعالى عنه الإيمان بذلك، فما ظنك بمن لم يرض بقضائه صلى الله عليه وسلم وأحكامه في أصول الدين وفروعه؟! بل إذا دعوا إلى ذلك تولوا وهم معرضون، ولم يكفهم ذلك حتى صدوا الناس عنه، ولم يكفهم ذلك حتى كفروا، أو بدعوا من اتبعه صلى الله عليه وسلم وحكَّمه في أصول الدين وفروعه، ورضي بحكمه في ذلك، ولم يبغ عنه حولاً.

وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ} ١.المعنى والله أعلم أي: لو أوجبنا عليهم مثل ما أوجبنا على بني إسرائيل من قتلهم أنفسهم، أو خروجهم من ديارهم حين استتيبوا من عبادة العجل {مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ} ٢. وهذا توبيخ لمن لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد الشجار، أي: نحن لم نكتب عليهم ذلك، بل إنما أوجبنا عليهم ما في وسعهم، فما لهم لا يحكمونك، ولا يرضون بحكمك؟! .

ثم قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} ٣.

قال ابن القيم: "أخبر تعالى أنهم لو فعلوا ما يعظهم به، وهو أمره ونهيه المقرون بوعده ووعيده لكان فعل أمره، وترك نهيه خيرًا لهم في دينهم ودنياهم، وأشد تثبيتًا لهم على الحق، وتحقيقًا لإيمانهم، وقوة لعزائمهم وإراداتهم، وثباتًا لقلوبهم عند جيوش الباطل، وعند واردات الشبهات المضلة، والشهوات المردية. فطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم هي سبب ثبات القلب، وقوته قوة عزائمه وإراداته، ونفاذ بصيرته، وهذا دليل على أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تثمر الهداية، وثبات القلب عليها، ومخالفته تثمر زيغ القلب، واضطرابه، وعدم ثباته".

ثم قال تعالى: {وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْنَاهُمْ


١ سورة النساء آية: ٦٦.
٢ سورة النساء آية: ٦٦.
٣ سورة النساء آية: ٦٦-٦٨.

<<  <   >  >>