للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ١. والمراد بهذا كفار قريش أو طائفة منهم، فإنهم جحدوا هذا الاسم عنادًا أو جهلًا، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي يوم الحديبية: "اكتب: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} . فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم، وفي بعض الروايات لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة" ٢. يعنون مسيلمة الكذاب، فإنه قبحه الله كان قد تسمى بهذا الاسم. وأما كثير من أهل الجاهلية فيقرون بهذا الاسم كما قال بعضهم:

وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق

قال ابن كثير: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} ٣، أي: لا يقرون به، لأنهم يأبون من وصف الله بالرحمن الرحيم.

ومطابقة الآية للترجمة ظاهرة، لأن الله تعالى سمى جحود اسم من أسمائه كفرًا، فدل على أن جحود شيء من أسماء الله وصفاته كفر، فمن جحد شيئًا من أسماء الله وصفاته من الفلاسفة، والجهمية والمعتزلة ونحوهم، فله نصيب من الكفر بقدر ما جحد من الاسم أو الصفة، فإن الجهمية والمعتزلة ونحوهم، وإن كانوا يقرون بجنس الأسماء والصفات فعند التحقيق لا يقرون بشيء، لأن الأسماء عندهم أعلام محضة، لا تدل على صفات قائمة بالرب تبارك وتعالى وهذا نصف كفر الذين جحدوا اسم الرحمن.

وقوله: {قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} ٤. أي: قل يا محمد رادًّا عليهم في كفرهم بالرحمن تبارك وتعالى هو أي: الرحمن عزّ وجل {رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} ٥، أي: لا معبود سواه {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} ٦، أي: إليه مرجعي وأوبتي، وهو مصدر من قول القائل: تبت متابًا وتوبة، قاله ابن جرير. وفي الآية دليل على أن التوكل عبادة، وعلى أن التوبة عبادة،


١ سورة الزخرف آية: ٨٧.
٢ صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير (١٧٨٤) , ومسند أحمد (٣/٢٦٨ ,٤/٨٦ ,٤/٣٢٨) .
٣ سورة الرعد آية: ٣٠.
٤ سورة الرعد آية: ٣٠.
٥ سورة الرعد آية: ٣٠.
٦ سورة الرعد آية: ٣٠.

<<  <   >  >>