للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبد التسليم والإذعان والإيمان بما صح عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وإن لم يحط به علمًا. ولهذا قال الشافعي: "آمنت بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله، وما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله".

والثاني: أن يكون بفتح الفاء وتشديد الراء، ويجوز تخفيفها. و "ما" نافية أي: ما فرق هذا وأضرابه بين الحق والباطل، ولا عرفوا ذلك، فلهذا قال: يجدون رقة وهي ضد القسوة، أي: لينًا وقبولاً للمحكم، ويهلكون عند متشابهه، أي: ما يشتبه عليهم فهمه، لأن آيات الصفات هي المتشابه كما تقوله الجهمية ونحوهم، ولأن في القرآن متشابهًا لا يعرف معناه كالألفاظ الأعجمية، فإن لفظ التشابه والمتشابه يدلان على بطلان ذلك، وإنما المراد بالمتشابه، أي: ما يشتبه فهمه على بعض الناس دون بعض، فالمتشابه أمر نسبي إضافي، فقد يكون مشتبهًا بالنسبة إلى قوم بينًا جليًا بالنسبة إلى آخرين. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج على قوم يتراجعون في القرآن فغضب وقال: "بهذا ضلت الأمم قبلكم; باختلافهم على أنبيائهم، وضرب الكتاب بعضه ببعض، وإن القرآن لم ينْزل ليكذب بعضه بعضا، ولكن نزل لأن يصدق بعضه بعضًا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه عليكم فآمنوا به" ١. رواه ابن سعد، وابن الضريس وابن مردويه.

وأما قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} ٢. فقال ابن كثير: يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات، أي: بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم. فمن رد ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى، ومن عكس انعكس، ولهذا قال: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} ٣، أي: أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} ٤، أي: تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد


١ أحمد (٢/١٨١) .
٢ سورة آل عمران آية: ٧.
٣ سورة آل عمران آية: ٧.
٤ سورة آل عمران آية: ٧.

<<  <   >  >>