للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحتمل أشياء أخرى من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد، ولهذا قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} ١، أي: ضلال، وخروج عن الحق إلى الباطل {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} ، أي: إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينَزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه. فأما الحكم، فلا نصيب لهم فيه، لأنه دافع لهم، وحجة عليهم، ولهذا قال: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} ٢، أي: الإضلال لأتباعهم، إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهو حجة عليهم لا لهم. انتهى.

وقال ابن عباس: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} ٣، يعني أهل الشك، فيحملون المحكم على المتشابه، والمتشابه على المحكم، ويلبسون، فلبس الله عليهم {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} ٤. قال: تأويله يوم القيامة لا يعلمه إلا الله. رواه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. وقوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} ٥. تقدم كلام ابن عباس. وقال مقاتل والسدي: يبتغون أن يعلموا ما يكون، وما عواقب الأشياء من القرآن.

قلت: فهذا التأويل الذي انفرد الله بعلمه هو العلم بحقائق الأشياء وما تؤول إليه وعواقبها، كالإخبار بما يكون، وما في الجنة من النعيم، وما في النار من العذاب; فإن هذه الأمور وإن علمناها لكن العلم بحقائقها مما لا يعلمه إلا الله. ولهذا قال ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء. فعلى هذا يكون الوقف على الجلالة كما روي عن جماعة من السلف، وقيل: الوقف على قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} ٦، أي: وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم. فأما أهل الزيغ فلا يعلمون تأويله، وعلى هذا فالمراد بتأويله هو تفسيره وفهم معناه، وهذا هو المروي عن ابن عباس وجماعة من السلف. قال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن "ابن عباس: أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله". وقال مجاهد: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} ٧، يعرفون تأويله. ويقولون: آمنا به، وكذا قال الربيع بن أنس وغيره.


١ سورة آل عمران آية: ٧.
٢ سورة آل عمران آية: ٧.
٣ سورة آل عمران آية: ٧.
٤ سورة آل عمران آية: ٧.
٥ سورة آل عمران آية: ٧.
٦ سورة آل عمران آية: ٧.
٧ سورة آل عمران آية: ٧.

<<  <   >  >>