للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد تبين ولله الحمد أنه ليس في الآية حجة للمبطلين في جعلهم ما أخبر الله به من صفات كماله هو المتشابه، ويحتجون على باطلهم بهذه الآية، فيقال: وأين في الآية ما يدل على مطلوبكم؟ وهل جاء نص عن الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جعل ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله متشابهًا؟! ولكن أصل ذلك أنهم ظنوا أن التأويل المراد في الآية هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى ما يحتمله اللفظ لدليل يقترن بذلك، وهذا هو اصطلاح كثير من المتأخرين، وهو اصطلاح حادث، فأرادوا حمل كلام الله على هذا الاصطلاح فضلوا ضلالاً بعيدًا، وظنوا أن لنصوص الصفات تأويلاً يخالف ما دلت عليه، لا يعلمه إلا الله كما يقوله أهل التجهيل، أو يعلمه المتأولون كما يقوله أهل التأويل. وفي الأثر المشروح دليل على ذكر آيات الصفات، وأحاديثها بحضرة عوام المؤمنين وخواصهم، وأن من رد شيئًا منها أو استنكره بعد صحته، فهو ممن لم يفرق بين الحق والباطل، بل هو من الهالكين وأنه ينكر عليه استنكاره.

قال: ولما سمعت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن أنكروا ذلك فأنزل الله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} ١.

ش: هكذا ذكر المصنف هذا الأثر بالمعنى، وقد روى ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج [عن مجاهد] في الآية، قال: هذا "لما كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا في الحديبية، كتب: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} . فقالوا: لا نكتب الرحمن، ولا ندري ما الرحمن، ولا نكتب إلا باسمك اللهم، فأنزل الله {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} ".

وفيه دليل على أن من أنكر شيئًا من الصفات، فهو من الهالكين، لأن الواجب على العبد الإيمان بذلك، سواء فهمه أم لم يفهمه، وسواء قبله عقله أو أنكره. فهذا هو الواجب على العبد في كل ما صح عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو الذي ذكر الله تعالى عن الراسخين في العلم أنهم {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} ٢.


١ سورة الرعد آية: ٣٠.
٢ سورة آل عمران آية: ٧.

<<  <   >  >>