للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رواه البخاري، ومسلم. وعنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله" ١. وكانت قريش تحلف بآبائها فقال: "ولا تحلفوا بآبائكم" ٢. رواه مسلم. وعن سعد بن أبي وقاصرضي الله عنه قال: حلفت مرة باللات والعزى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثم انفث عن يسارك ثلاثًا وتعوذ ولا تعد" ٣. رواه النسائي، وابن ماجة، وهذا لفظه. وفي هذا المعنى أحاديث، فما ورد فيه ذكر الحلف بغير الله، فهو جار على العادة قبل النهي، لأن ذلك هو الأصل حتى ورد النهي عن ذلك.

وقوله: "فقد كفر أو أشرك"، أخذ به طائفة من العلماء فقالوا: يكفر من حلف بغير الله كفر شرك، قالوا: ولهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بتجديد إسلامه بقول: لا إله إلا الله. فلولا أنه كفر ينقل عن الملة لم يؤمر بذلك. وقال الجمهور: لا يكفر كفرًا ينقله عن الملة، لكنه من الشرك الأصغر كما نص على ذلك ابن عباس وغيره، وأما كونه أمر من حلف باللات والعزى أن يقول: لا إله إلا الله، فلأن هذا كفارة له مع استغفاره كما قال في الحديث الصحيح: "ومن حلف فقال في حلفه: واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله" ٤. وفي رواية: "فليستغفر"، فهذا كفارة له في كونه تعاطى صورة تعظيم الصنم، حيث حلف به لا أنه لتجديد إسلامه، ولو قدر ذلك فهو تجديد لإسلامه لنقصه بذلك لا لكفره لكن الذي يفعله عباد القبور إذا طلبت من أحدهم اليمين بالله، أعطاك ما شئت من الأيمان صادقًا أو كاذبًا. فإذا طلبت منه اليمين بالشيخ أو تربته أو حياته، ونحو ذلك، لم يقدم على اليمين به إن كان كاذبًا. فهذا شرك أكبر بلا ريب، لأن المحلوف به عنده أخوف وأجل وأعظم من الله. وهذا ما بلغ إليه شرك عباد الأصنام، لأن جهد اليمين عندهم هو الحلف بالله كما قال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ


١ أحمد (٣/٣٦١) .
٢ البخاري: المناقب (٣٨٣٦) , ومسلم: الأيمان (١٦٤٦) , والترمذي: النذور والأيمان (١٥٣٣ ,١٥٣٤) , والنسائي: الأيمان والنذور (٣٧٦٦ ,٣٧٦٧ ,٣٧٦٨) , وأبو داود: الأيمان والنذور (٣٢٤٩) , وابن ماجه: الكفارات (٢٠٩٤) , وأحمد (٢/٧ ,٢/٨ ,٢/١١ ,٢/١٧ ,٢/٢٠ ,٢/٧٦ ,٢/٩٨ ,٢/١٤٢) , ومالك: النذور والأيمان (١٠٣٧) , والدارمي: النذور والأيمان (٢٣٤١) .
٣ أحمد (٤/٥٥) .
٤ النسائي: الزينة (٥١٠٣) .

<<  <   >  >>