وبقوا على عبادة اللات والعزى ومناة لم يكونوا مسلمين، ولقاتلهم عليه السلام حتى يخلعوا الأنداد، ويتركوا عبادتها، ويعبدوا الله وحده لا شريك له، وهذا أمر معلوم بالاضطرار من الكتاب والسنة والإجماع.
وأما عبادة القبور فلم يعرفوا معنى هذه الكلمة، ولا عرفوا الإلهية المنفية عن غير الله الثابتة له وحده لا شريك له، بل لم يعرفوا من معناها إلا ما أقرّ به المؤمن والكافر، اجتمع عليه الخلق كلهم من أن معناها: لا قادر على الاختراع، أو أن معناها: الإله، هو الغني عما سواه، الفقير إليه كل ما عداه، ونحو ذلك، فهذا حق، وهو من لوازم الإلهية، ولكن ليس هو المراد بمعنى:" لا إله إلا الله "، فإن هذا القدر قد عرفه الكفار، وأقروا به، ولم يدعوا في آلهتهم شيئًا من ذلك، بل يقرون بفقرهم، وحاجتهم إلى الله، وإنما كانوا يعبدونهم على معنى أنهم وسائط وشفعاء عند الله في تحصيل المطالب ونجاح المآرب، وإلا فقد سلموا الخلق والملك والرزق والإحياء والإماتة، والأمر كله لله وحده لا شريك له، وقد عرفوا معنى:" لا إله إلا الله "، وأبوا على النطق والعمل بها، فلم ينفعهم توحيد الربوبية مع الشرك في الإلهية، كما قال تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ١.وعباد القبور نطقوا بها وجهلوا معناها، وأبوا عن الإتيان به، فصاروا كاليهود الذين يقولونها ولا يعرفون معناها، ولا يعملون به، فتجد أحدهم يقولها وهو يأله غير الله بالحب والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء والتوكل والدعاء عند الكرب، ويقصده بأنواع العبادة الصادرة عن تأله قلبه لغير الله مما هو أعظم مما يفعله المشركون الأولون، ولهذا إذا توجهت على أحدهم اليمين بالله تعالى أعطاك ما شئت من الإيمان صادقًا أو كاذبًا، ولو قيل له: احلف بحياة الشيخ فلان، أو بتربته ونحو ذلك، لم يحلف إن كان كاذبًا، وما ذاك إلا لأن المدفون في التراب أعظم في قلبه من رب الأرباب، وما كان الأولون هكذا، بل كانوا إذا أرادوا التشديد في اليمين حلفوا بالله تعالى، كما في قصة