للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القسامة التي وقعت في الجاهلية، وهي في "صحيح البخاري [٣٨٤٥] ".

وكثير منهم وأكثرهم يرى أن الاستغاثة بإلهه الذي يعبده عند قبره أو غيره أنفع وأنجح من الاستغاثة بالله في المسجد، ويصرحون بذلك، والحكايات عنهم بذلك فيها طول، وهذا أمر ما بلغ إليه شرك الأولين، وكلهم إذا أصابتهم الشدائد أخلصوا للمدفونين في التراب، وهتفوا بأسمائهم، ودعوهم ليكشفوا ضر المصاب في البر والبحر والسفر والإياب، وهذا أمر ما فعله الأولون، بل هم في هذه الحال يخلصون ل {الكبير المتعال} ، فاقرأ قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ... } ١ الآية، وقوله: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} ٢.وكثير منهم قد عطلوا المساجد وعمروا القبور والمشاهد، فإذا قصد أحدهم القبر الذي يعظمه، أخذ في دعاء صاحبه باكيًا خاشعًا ذليلاً خاضعًا، بحيث لا يحصل له ذلك في الجمعة والجماعات وقيام الليل وإدبار الصلوات، فيسألونهم مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب والنجاة من النار، وأن يحطوا عنهم الأوزار، فكيف يظن عاقل ـ فضلاً عن عالم ـ أن التلفظ بـ: " لا إله إلا الله " مع هذه الأمور تنفعهم؟! وهم إنما قالوها بألسنتهم وخالفوها باعتقادهم وأعمالهم؟! ولا ريب أنه لو قالها أحد من المشركين ونطق أيضًا بشهادة أن محمدا رسول الله ولم يعرف معنى الإله ولا معنى الرسول، وصلى وصام وحج، ولا يدري ما ذلك إلا أنه رأى الناس يفعلونه فتابعهم ولم يفعل شيئًا من الشرك، فإنه لا يشك أحد في عدم إسلامه.

وقد أفتى بذلك فقهاء المغرب كلهم في أول القرن الحادي عشر أو قبله في شخص كان كذلك كما ذكره صاحب " الدر الثمين في شرح المرشد المعين [ميارة] " من المالكية، ثم قال شارحه: وهذا الذي أفتوا به جلي في غاية الجلاء، لا يمكن أن يختلف فيه اثنان انتهى. ولا ريب أن عباد القبور أشد من هذا؟ لأنهم اعتقدوا الإلهية في أرباب متفرقين.


١ سورة العنكبوت آية: ٦٥.
٢ سورة آية: ٥٣-٥٤.

<<  <   >  >>