للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله: "ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته". فيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وعدم احتجابه عن الناس كالملوك بحيث إذا أراد أحد الوصول إليه أمكنه ذلك بلا كلفة ولا مشقة، بل يصلون إليه ويقضي حاجتهم ويخبرونه بما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم، ويقصون عليه ما يرونه في المنام، بل كان صلى الله عليه وسلم يعتني بالرؤيا لأنها من أقسام الوحي، وكان إذا صلى الصبح كثيرًا ما يقول: "هل رأى أحد منكم رؤيا؟ " ١.

قوله: "فحمد الله وأثنى عليه". وفي رواية أحمد: "فلما أصبحوا خطبهم فحمد الله وأثنى عليه". وفي رواية الطبراني: "فلما صلى الظهر قام خطيبًا". ففيه مشروعية حمد الله والثناء عليه في الخطب، وفيه الخطبة في الأمور المهمة. وأما معنى الحمد، فقد تقدم في باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً} ٢. وأما الثناء فقال ابن القيم: هو تكرار المحامد.

قوله: "ثم قال: أما بعد". في رواية أحمد، والطبراني: "ثم قال: إن طفيلاً رأى رؤيا"، ولم يذكر أما بعد. وفي رواية للطبراني: فقام نبي الله على المنبر فقال: "إن أخاكم رأى رؤيا قد حدثكم بما رأى". فيه مشروعية "أما بعد" في الخطب في هذا الحديث، وإلا فلا يضر فإنها ثابتة في خطبه عليه السلام، وفي غيره.

قوله: "وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها" وفي رواية أحمد، والطبراني "وإنكم كنتم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها" ٣. وهذا الحياء منهم ليس على سبيل الحياء من الإنكار عليهم، بل كان صلى الله عليه وسلم يكرهها ويستحيي أن يذكرها، لأنه لم يأمر بإنكارها، فلما جاء الأمر الإلهي بالرؤيا الصالحة أنكرها، ولم يستحي في ذلك.

وفيه دليل على أنها من الشرك الأصغر، إذ لو كانت من الأكبر لأنكرها من أول مرة قالوها. وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الحياء وأنه من الأخلاق المحمودة.


١ البخاري: الجنائز (١٣٨٦) , ومسلم: الرؤيا (٢٢٧٥) , والترمذي: الرؤيا (٢٢٩٤) , وأحمد (٥/٨ ,٥/١٠ ,٥/١٤) .
٢ سورة الأعراف آية: ١٩١.
٣ مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (٧٧٠) , والترمذي: الدعوات (٣٤٢٠) , وأبو داود: الصلاة (٧٦٧) , وأحمد (٦/١٥٦) .

<<  <   >  >>