وقولهم: إنه استراح بعد أن خلق خلقه، وقولهم:{يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} ، [المائدة، من الآية: ٦٤] ، وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته.
ورابعها: تعطيل الأسماء الحسنى عن معانيها، وجحد حقائقها، كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم: إنها ألفاظ مجردة، لا تتضمن صفات، ولا معاني، فيطلقون عليه اسم السميع والبصير والحي والرحيم والمتكلم، ويقولون: لا حياة له ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا إرادة تقوم به، وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلاً وشرعًا ولغة وفطرة، وهو يقابل إلحاد المشركين، فإن أولئك أعطوا من أسمائه وصفاته لآلهتهم، وهؤلاء سلبوا كماله، وجحدوها وعطلوها، وكلاهما ألحد في أسمائه، ثم الجهمية وفروخهم متفاوتون في هذا الإلحاد، فمنهم الغالي والمتوسط والمتلوث، وكل من جحد شيئًا مما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم فقد ألحد في ذلك فليقل أو ليستكثر.
وخامسها: تشبيه صفاته بصفات خلقه، تعالى الله عما يقول المشبهون علوًّا كبيرًا، فهذا الإلحاد في مقابله إلحاد المعطلة، فإن أولئك نفوا صفات كماله وجحدوها، وهؤلاء شبهوها بصفات خلقه، فجمعهم الإلحاد، وتفرقت بهم طرقه، وبرأ الله أتباع رسوله، وورثته القائمين بسنته عن ذلك كله، فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه، ولم يجحدوا صفاته، ولم يشبهوها بصفات خلقه، ولم يعدلوا بها عما أنزلت عليه لفظًا ولا معنى، بل أثبتوا له الأسماء والصفات، ونفوا عنه مشابهة المخلوقات فكان إثباتهم بريئًا من التشبيه، وتنْزيههم خاليًا من التعطيل، لا كمن شبه كأنه يعبد صنمًا، أو عطل حتى كأنه لا يعبد إلا عدمًا، وأهل السنة وسط في النحل، كما أن أهل الإسلام وسط في الملل توقد مصابيح معارفهم:{مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} ، [النّور، من الآية: ٣٥] . {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، [الأعراف، من الآية: ١٨٠] وعيد وتهديد.